يُظهر الذكاء الاصطناعي إمكانات حقيقية في مساعدة أطباء الأشعة على اكتشاف الأنسجة السرطانية بسرعة وبدقة أكبر، بالإضافة إلى التنبؤ بمخاطر الإصابة بسرطان الثدي على المستوى الفردي.
الذكاء الاصطناعي هو قدرة الكمبيوتر على تقليد السلوك البشري، مثل التعلم، واتخاذ القرارات. يقوم مطورو الذكاء الاصطناعي بتدريب الأنظمة على التعرف على الأنماط من خلال تحليل كميات كبيرة من البيانات. بعد إتمام عملية التدريب، يصبح البرنامج قادرًا على تقييم البيانات الجديدة بشكل مستقل وإجراء التنبؤات حول احتمالية الإصابة بسرطان الثدي.
لتدريب الذكاء الاصطناعي على قراءة صور الثدي بالأشعة السينية، يقوم الفنيون بإدخال معلومات من مئات الآلاف إلى ملايين صور الأشعة. يقوم البرنامج بابتكار تمثيل حسابي لتصوير الثدي بالأشعة السينية العادية، وكذلك لصور الثدي التي تظهر علامات السرطان. من خلال هذه العملية، يتعلم الذكاء الاصطناعي التمييز بين الأنماط الطبيعية وغير الطبيعية، مما يعزز دقته في اكتشاف الحالات المشتبه بها.
يقوم نظام الذكاء الاصطناعي بفحص كل صورة وفق معايير محددة، لتمييز ما هو طبيعي عن غير الطبيعي. أوضحت الدكتورة إيمي ك. باتل، أخصائية أشعة الثدي والمديرة الطبية لمركز رعاية الثدي في مستشفى ليبرتي بالولايات المتحدة، أن تزويد البرنامج بمزيد من صور تصوير الثدي بالأشعة السينية يمكّنه من التعلم مع مرور الوقت، وهو ما يعرف بالتعلم الآلي، مما يزيد من دقته. كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي أيضًا في اكتشاف السرطان عبر تقنيات الموجات فوق الصوتية، والتصوير بالرنين المغناطيسي.
يتوافر فحص سرطان الثدي بمساعدة الذكاء الاصطناعي في بعض البلدان الأوروبية، لكنه لا يُعد معيارًا بعد في الولايات المتحدة. ووفقًا للكلية الأمريكية لمعهد علوم بيانات الأشعة، يستخدم حوالي 9٪ من أطباء الأشعة في الولايات المتحدة تقنيات التصوير الشعاعي للثدي المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
هناك العديد من الطرق التي يمكن لأخصائيي الأشعة استخدام الذكاء الاصطناعي عند قراءة صور الثدي بالأشعة السينية. من بينها، يمكنهم التحقق من دقتهم من خلال مقارنة قراءاتهم مع نتائج الكمبيوتر، أو الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتحديد الأولويات بناءً على النتائج "المشبوهة المحتملة".
تستمر الأبحاث في البلدان التي يزداد فيها استخدام الذكاء الاصطناعي في التحقق من علامات السرطان، وتشير الدراسات حتى الآن إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُحسن اكتشاف سرطان الثدي بعدة طرق، منها:
وفقًا للمعهد الوطني للسرطان، فإن تصوير الثدي بالأشعة السينية يغفل حوالي 20٪ من حالات سرطان الثدي. ومع ذلك، يبدو أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تمتلك القدرة على التقاط علامات دقيقة جدًا لسرطان مبكر قد لا تستطيع العين البشرية رؤيتها.
تصف دراسة نُشرت في مجلة "The Lancet Oncology" كيف استخدم الباحثون الذكاء الاصطناعي لفحص تصوير الثدي بالأشعة السينية لأكثر من 80 ألف امرأة في السويد. تم تحليل صور نصف هؤلاء النساء بواسطة الذكاء الاصطناعي قبل فحصها من قِبَل أخصائيي الأشعة، بينما تمت قراءة النصف الآخر من قبل اثنين من أخصائيي الأشعة فقط. أظهرت الدراسة أن المجموعة التي استخدمت الذكاء الاصطناعي اكتشفت حالات سرطان أكثر بنسبة 20% مقارنةً بالمجموعة التي اعتمدت على أخصائيي الأشعة وحدهم.
وفي دراسة أخرى أُجريت في ألمانيا والولايات المتحدة، استخدم الباحثون الذكاء الاصطناعي لتحليل حوالي 1.2 مليون صورة ماموجرامية. وجدت النتائج أن التعاون بين أخصائي الأشعة ونظام الذكاء الاصطناعي أدى إلى تحسين الاكتشاف بنسبة 2.6% مقارنةً بعمل أخصائي الأشعة بمفرده. نُشرت هذه النتائج في مجلة "The Lancet Digital Health" في يوليو 2022.
تحدث النتيجة الإيجابية الكاذبة عندما يكتشف أخصائيو الأشعة نتيجة غير طبيعية في تصوير الثدي بالأشعة السينية، ولكنها لا تُثبت في النهاية أنها سرطان. وفي هذه الحالة، قد يحتاج الأطباء إلى طلب اختبارات متابعة متعددة، مثل الأشعة السينية الإضافية أو الموجات فوق الصوتية أو حتى الخزعات، مما يمكن أن يكون مرهقًا عاطفيًا وماليًا للمريض.
تُستخدم خزعة الثدي لتحديد ما إذا كانت المنطقة المشبوهة التي تم اكتشافها أثناء تصوير الثدي تحتوي على سرطان أم لا. تشير الدكتورة باتيل إلى أن حوالي 80% من الخزعات التي تُجرى على المناطق المثيرة للقلق تتبين أنها حميدة. لذا، يمكن أن تسهم أنظمة الذكاء الاصطناعي في تقليل عدد الخزعات غير الضرورية، مما يقلل من الضغط على المرضى، ويخفف من التكاليف المرتبطة بها.
لا، هناك إجماع على أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لن تحل محل أخصائيي الأشعة، بل ستساعدهم في إجراء قراءات أكثر دقة وإدارة سير العمل بشكل أكثر كفاءة.
تقول الدكتورة ماتيل: "يجب أن يكون أخصائيو الأشعة في مقعد السائق، حيث يوجد عنصر بشري لن يمتلكه الذكاء الاصطناعي أبدًا". وتضيف في الدراسة التي نشرها موقع breastcancer.org: أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيساعد أطباء الأشعة على أن يكونوا أكثر فاعلية خلال السنوات المقبلة.