قبل 40 عامًا، وتحديدًا يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 1983، رحلت عن عالمنا إحدى أعظم الشخصيات النسائية في تاريخ السينما المصرية، بهيجة حافظ، التي أضافت للفن المصري بُعدًا جديدًا في زمن كان من الصعب فيه على المرأة اقتحام مجالات الإبداع.
ولم تكن بهيجة حافظ مجرد فنانة متعددة المواهب، بل قائدة ومبدعة، وتركت بصمة خالدة في مجالات التمثيل، والموسيقى، والإخراج، والإنتاج السينمائي.
ورغم التحديات التي واجهتها، تمكنت بهيجة من صياغة إرث فني وثقافي ظلَّ مصدر إلهام للأجيال القادمة.
وُلدت بهيجة حافظ، في 4 أغسطس/آب 1908 في مدينة الإسكندرية لعائلة ذات جذور موسيقية عريقة، إذ كان والدها، إسماعيل حافظ باشا، أحد أبرز عشاق الموسيقى، وساهم في تنمية موهبتها منذ الصغر.
وبدأت بهيجة تعلم العزف على البيانو وهي طفلة، ولفتت الأنظار بموهبتها حين ألّفت أول مقطوعة موسيقية وهي في التاسعة من عمرها.
وبعد ذلك، تعمّقت في دراسة الموسيقى على يد المايسترو الإيطالي "جيوفاني بورجيزي"، مما أكسبها فهمًا عميقًا للموسيقى الغربية.
ولاحقًا، حصلت على دبلوم الموسيقى من فرنسا، لتصبح أول مصرية تنضم إلى جمعية المؤلفين في باريس، وهو إنجاز غير مسبوق في ذلك الوقت.
انطلقت مسيرة بهيجة حافظ في عالم السينما، العام 1930، بفيلم "زينب"، حيث لعبت دور البطولة، وألّفت الموسيقى التصويرية الخاصة به، لتكون أول امرأة مصرية تقوم بهذا الإنجاز.
ولم يقتصر دورها على التمثيل فقط، بل امتد إلى الإخراج، وكتابة الموسيقى التصويرية، مما عزز مكانتها كأيقونة في تاريخ السينما المصرية.
وقدمت بهيجة مجموعة من الأعمال البارزة مثل: "الضحايا"، و"ليلى بنت الصحراء"، الذي نال إشادة واسعة، رغم الصعوبات التي واجهته بسبب منع عرضه، مما أثر على مسيرتها الإنتاجية بشكل كبير.
قررت بهيجة حافظ توسيع نشاطها الفني بتأسيس شركتها الخاصة للإنتاج السينمائي، "فنار فيلم"، التي قدمت من خلالها فيلم "ليلى بنت الصحراء".
ورغم النجاح الفني الذي حققه الفيلم، إلا أن اعتراض الحكومة الإيرانية على محتواه أدى إلى منعه من العرض، مما تسبب في خسائر مالية وإفلاس الشركة.
وكانت هذه النكسة نقطة تحول في حياتها، حيث ابتعدت عن الإنتاج السينمائي لمدة 10 سنوات، لكنها لم تفقد شغفها بالفن، وظلت مخلصة لقناعاتها الإبداعية.
بعد سنوات من التوقف عن العمل السينمائي، عادت بهيجة حافظ للساحة الثقافية، العام 1959، بإنشاء صالونها الثقافي في القاهرة.
وأصبح هذا الصالون ملتقى للفنانين والمثقفين، حيث جمعت بين الأجيال المختلفة، وناقشت قضايا الفن والثقافة، إذ كان هذا النشاط شاهدًا على إيمانها العميق بدور الفن في بناء المجتمع وتواصله.
في سنواتها الأخيرة، عانت بهيجة حافظ من المرض والعزلة، ورحلت عن عالمنا دون تغطية إعلامية أو جنازة رسمية. لكن رغم هذا الرحيل الصامت، بقيت إنجازاتها وأعمالها شاهدة على عبقريتها التي تجاوزت حدود الزمن.
ورغم الصعوبات التي واجهتها، أثبتت بهيجة حافظ أن الإبداع قادر على اختراق كل الحواجز. كانت رمزًا للمرأة القوية التي صنعت اسمها في عالم يسيطر عليه الرجال، وتركت إرثًا فنيًا لا يُمحى. ومن خلال أفلامها وموسيقاها، تظل بهيجة حافظ حاضرة في ذاكرة الفن المصري كإحدى رائدات العصر الذهبي.