يولد الإنسان محاطا بالحب، فهو حاجة أساسية مثل الهواء والماء، إلا أن البعض يعيش حياته وهو يشعر بأنه غير مستحق لهذا الحب، وكأن هناك حاجزا خفيا يمنعه من قبوله أو تصديقه.
قد يكون هذا الشعور غامضا أحيانا، لا يدركه الشخص بوضوح لكنه يتجلى في سلوكياته: الخوف من التقارب العاطفي، الشك المستمر في نوايا الآخرين، أو حتى الانسحاب عند تلقي الاهتمام.
وعلى الرغم من أن الحب في جوهره تجربة تمنح الدفء والطمأنينة، فإن بعض القلوب تجد صعوبة في استيعابه، وكأنها ترفضه دون وعي.
في هذا المقال، سنتعمق في فهم أسباب هذا الشعور، وكيف يتشكل داخل النفس، كما سنناقش الطرق الفعالة للتغلب عليه، لنفتح الباب أمام تجربة حب أكثر صدقا واتزانا.
تعود جذور هذا الشعور إلى عوامل نفسية واجتماعية متراكمة، تبدأ غالبا من الطفولة وتمتد لتؤثر على العلاقات في مرحلة البلوغ. لتجعل صاحب هذه المشكلة يشعر بعدم الاستحقاق، وكأنه غير جدير بالحب الحقيقي، حتى عندما يتلقاه بصدق. إليك السبب وراء هذا الشعور، وكيف يمكن التغلب عليه؟
الطفولة هي أول ساحة يتشكل فيها إدراكنا لأنفسنا وللعلاقات من حولنا. إذا نشأ الشخص في بيئة لم تقدم له الحب غير المشروط، أو كانت تربطه علاقات تقوم على النقد والتجاهل العاطفي، فقد يترسّخ داخله شعور بأنه غير كافٍ أو غير جدير بالمحبة.
العلاقات السابقة، خاصة إذا كانت مؤذية أو تسببت في خذلان عاطفي، قد تؤدي إلى فقدان الثقة في استحقاق الحب. الخيانة، الإهمال، أو الرفض العاطفي المتكرر قد يجعل الشخص يشكك في قيمته داخل أي علاقة جديدة.
عندما يحمل الشخص نظرة سلبية عن نفسه، فإنه يميل إلى الاعتقاد بأنه لا يملك الصفات التي تجعله محبوبًا. وقد تجعله هذه الفكرة يرفض الحب حتى قبل أن يحصل عليه، ظنًا منه أنه لا يستحقه.
في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، يميل البعض إلى مقارنة أنفسهم بالصور المثالية التي يرونها؛ ما يعزز لديهم الإحساس بالنقص. كما أن التوقعات العالية عن الحب قد تجعلهم يشعرون بأنهم لا يستطيعون تقديم ما يكفي في العلاقة.
إليك كيفية تأثير هذا الشعور على العلاقات العاطفية:
قد ينسحب الشخص الذي يشعر بعدم الاستحقاق من العلاقة خوفا من أن يُكشف "عيبه"؛ ما يخلق مسافة بينه وبين شريكه.
التشكيك المستمر في نوايا الطرف الآخر أو البحث عن أدلة تثبت أنه لا يحبهم حقا قد يؤدي إلى خلق توتر في العلاقة، وربما إلى فقدان الشريك.
عندما يعتقد الشخص أن الحب الذي يحصل عليه مؤقت، فإنه قد يصبح شديد التعلّق بشريكه، ما يخلق ديناميكية غير متوازنة في العلاقة.
هناك عدة طرق تمكننا من التغلب على الشعور بعدم الاستحقاق في الحب إليك أهمها:
التعرف على أن مشاعرك بعدم الاستحقاق ليست بالضرورة حقيقة، بل نتيجة تجارب أو أفكار مغلوطة، هو مفتاح التغيير.
ابدأ بالتركيز على نقاط قوتك بدلا من عيوبك، وتذكّر أن الاستحقاق للحب لا يعتمد على الكمال، بل على قبولك لنفسك كما أنت.
حاول أن تستبدل الأفكار الهدّامة مثل "أنا لا أستحق الحب" بأفكار إيجابية مثل "أنا شخص يستحق الحب والاحترام".
ابحث عن علاقات تقوم على التقدير المتبادل والدعم العاطفي، وتجنب العلاقات التي تعزز لديك الشعور بعدم القيمة.
إذا كان الشعور بعدم الاستحقاق عميقا ويؤثر بشكل كبير على حياتك العاطفية، فقد يكون من المفيد اللجوء إلى مختص في الصحة النفسية للمساعدة في فهم جذور المشكلة والتعامل معها بطرق فعالة.
الحب ليس مكافأة تُمنح لمن يحقق معايير معينة، بل هو تجربة إنسانية يستحقها الجميع. إذا كنت تشعر بعدم الاستحقاق في الحب، فتذكر أن هذا الإحساس قابل للتغيير، وأنك قادر على بناء علاقة صحية تقوم على القبول والثقة المتبادلة، بدءا من ثقتك بنفسك أولا.