في خضم الحياة التي نعيشها، والمسؤوليات الملقاة على عاتقنا، نجد أنفسنا نركض بلا توقف، لنحمل همومًا لا تنتهي، وننسى أن نتجاهل قليلًا ونبتسم!
فالابتسامة رغم بساطتها كتعبير إنساني، فإنها تحمل فوائد لا تعد ولا تحصى على الصحة الجسدية والنفسية.
من تقليل التوتر إلى التأثير الموسع في الآخرين، تسحر ابتسامتنا محيطنا بأسره، لتكون الخطوة الأولى باتجاه السعادة التي نطمح إليها.
في هذا الموضوع نتناول فوائد الابتسامة التي تناولتها دراسات نفسية عديدة تلخص التأثير الأعمق والأوسع لها.
في دراسات عديدة كانت الابتسامة الموضوع الرئيس فيها، أثبتت أن لها تأثيرات إيجابية فريدة، إليك بعض هذه الفوائد:
من المدهش أن نعرف أن الابتسامة في حد ذاتها قد تكون سببًا مباشرًا للشعور بالسعادة، حتى وإن لم تكن مشاعرنا الداخلية تدعم ذلك.
إذ أظهرت الأبحاث النفسية على مدار ثلاثين عامًا أن الأفراد الذين ابتسموا لاحظوا تحسنًا في شعورهم العام بالسعادة، حتى وإن كانت ابتسامتهم مفتعلة، أو تم توليدها عن طريق وضع قلم بين أسنانهم.
هذه الظاهرة يمكن تفسيرها من خلال النظرية النفسية التي تفيد بأن التعبيرات الجسدية، مثل: الابتسامة، تؤثر في العمليات النفسية الأخرى. فعندما تُظهر عبر وجهك تعبيرًا سعيدًا، فإنك تُحفز مشاعر إيجابية وأفكارًا تُعزز هذا الشعور.
ربما يبدو ذلك غريبًا للبعض، إذ كيف يمكن لابتسامة غير صادقة أن تجعل الإنسان يشعر بالسعادة؟ الجواب يكمن في أن العواطف البشرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات الجسدية، وتحديدًا تعبيرات الوجه. وعندما نقوم بتفعيل عضلات الوجه الخاصة بالابتسامة، حتى وإن لم نكن نمتلك الشعور الداخلي بها، فإن ذلك يسهم في تحفيز مراكز السعادة في الدماغ.
إذا كانت الابتسامة تمنحنا الشعور بالسعادة، فإنها، في الوقت ذاته، تفتح أبوابًا للتواصل الاجتماعي. منذ لحظة ولادتنا، نستخدم الابتسامة لجذب الانتباه والتواصل مع الآخرين.
وعندما نبتسم، نرسل إشارة إلى من حولنا بأننا على استعداد للتفاعل معهم، وهذا يجعلهم يشعرون بالراحة للتواصل معنا.
يمكننا القول إن الابتسامة هي لغة عالمية تتيح لنا بناء جسور من التواصل والتفاعل، وهو ما يعزز مشاعر الانتماء والتعاون بين الأفراد.
في نظرية "التوسع والبناء" التي وضعتها العالمة باربرا فريدريكسون، تُظهر المشاعر الإيجابية، مثل: السعادة، قدرتنا على بناء موارد اجتماعية من خلال اللعب والمرح.
لذا فإن الابتسامة لا تقتصر على تحسين الحالة النفسية الخاصة بنا، بل تسهم أيضًا في فتح أبواب التفاعل مع الآخرين، وهذا من شأنه التقليل من مستوى التوتر والارتقاء بمستوى السعادة الجماعية.
ما يثير الاهتمام أيضًا هو أن الابتسامة ليست مجرد تعبير فردي، بل هي فعل معدٍ.
في علم النفس، أظهرت العديد من الدراسات أن الشخص الذي يبتسم يمكن أن يحفز الآخرين على الابتسام أيضًا.
فعندما يرى الأشخاص ابتسامة على وجوه الآخرين، يتم تحفيز عضلات الوجه لديهم بشكل تلقائي؛ ما يجعلهم يبتسمون أيضًا. وقد يحدث ذلك دون أن ندرك أننا نقوم بتقليد تعبيرات الآخرين.
هذا الاكتشاف يفتح لنا بابًا واسعًا للتأمل في كيف يمكن لابتسامة واحدة أن تنتشر بين الناس، وتزيد سعادتهم بشكل غير مباشر.
إذا كنتِ في مكان مزدحم، وابتسمتِ لشخص ما، فإن هذه الابتسامة قد تخلق دائرة من السعادة التي تنتقل بين عدة أشخاص.
رغم تأثيراتها الإيجابية، فمن المهم أن نتذكر أن الابتسامة ليست حلًّا سحريًّا للمشكلات النفسية أو التحديات اليومية.
لا يمكن للابتسامة وحدها أن تعالج القلق أو الاكتئاب، وهي بالتأكيد ليست بديلًا عن العلاج النفسي المناسب أو الدعم الطبي. ومع ذلك، تبقى الابتسامة بمثابة خطوة بسيطة يمكن اتخاذها لتحسين يومك وحياة من حولك. فهي لا تضر أبدًا، بل قد تفتح لكِ أبوابًا للتفاعل والتواصل مع الآخرين.
كما قالت الأم تيريزا "السلام يبدأ بابتسامة"، وهذا يعكس ببراعة كيف يمكن لابتسامة أن تكون بداية لسلسلة من التغيرات الإيجابية، بدءًا من الفرد وصولًا إلى المجتمع بأسره.