في عصر التكنولوجيا الرقمية، تتراجع ممارسة الكتابة اليدوية لصالح الطباعة على الأجهزة الإلكترونية، مما يثير تساؤلات حول تأثير ذلك على الدماغ والقدرة على التعلم.
ولكن الدراسات الحديثة، مثل تلك التي أجراها باحثون في جامعة العلوم والتكنولوجيا النرويجية (NTNU)، تؤكد أن للكتابة بخط اليد فوائد معرفية لا يمكن الاستغناء عنها، خاصة عند الأطفال في سن التعلم.
تشير الأبحاث إلى أن الكتابة اليدوية تنشط مناطق مختلفة في الدماغ أكثر مما تفعل الطباعة على لوحة المفاتيح.
فعند الكتابة بالقلم على الورق، يتم تحفيز الدماغ من خلال التنسيق الحركي البصري والحسي، وبالتالي تعزيز تشكل أنماط عصبية تساعد على ترسيخ المعلومات وتحسين الذاكرة.
وفقًا للدراسة النرويجية، فإن الكتابة اليدوية بخط متصل تُحفز موجات الدماغ في نطاق "ثيتا" (4-7 هرتز)، وذلك يهيئ الدماغ لاستقبال المعلومات وتخزينها بشكل أكثر فعالية. وأظهرت النتائج أن الأطفال الذين يكتبون بخط اليد يستوعبون المادة بشكل أعمق وأسرع مقارنةً بأقرانهم الذين يعتمدون على الطباعة.
تُظهر البيانات أن التخلي عن الكتابة بخط اليد في المدارس، كما يحدث في بعض الدول التي أصبحت تعتمد بشكل شبه كلي على الأجهزة الرقمية، قد يُضعف من قدرات الأطفال على التعلم.
فالكتابة اليدوية تساعد على تطوير مهارات التفكير النقدي، وتحسين التركيز، وتعزيز الإبداع، حيث إن العملية اليدوية في تكوين الأحرف والكلمات تُنشّط مناطق في الدماغ مسؤولة عن القراءة والفهم اللغوي.
كما أظهرت دراسات سابقة، مثل تلك التي أجراها باحثون في جامعة إنديانا باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، أن الأطفال الذين يتعلمون الكتابة يدويًا يطورون "دائرة قراءة" في الدماغ أكثر نشاطًا من أولئك الذين يعتمدون فقط على الطباعة.
عندما تكتب قائمة مهام، أو تدوّن ملاحظاتك يدويًا، فأنت لا تقوم فقط بحفظ المعلومات، بل تعزز تذكُّرها لاحقًا بشكل أفضل.
فالكتابة اليدوية توفر ما يشبه "خطافات" للذاكرة، حيث تنشئ روابط عصبية أقوى من تلك التي تنتج عند الطباعة.
وقد أوضح الباحثون أن الضغط على القلم، وتحريك اليد، وسماع صوت القلم أثناء الكتابة، كلها عوامل تحفز الحواس، وتربط بين مناطق متعددة من الدماغ، وذلك من شأنه تسهيل عملية التعلم والفهم العميق للمحتوى.
مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في التعليم، من الضروري أن لا يتم إهمال التدريب على الكتابة اليدوية في المدارس. فإدراج الكتابة بخط اليد كجزء أساسي من مناهج التعليم يمكن أن يساعد الطلاب في تطوير قدراتهم المعرفية واللغوية، ومنحهم ميزة أكاديمية على المدى الطويل.