في كل لحظة من يومك، هناك صوت داخلي يرافقك بصمت. يعلق على قراراتك، يذكّرك بأخطائك، يفسر نظرات الآخرين، ويستحضر سيناريوهات لم تحدث وربما لن تحدث.
هذا الصوت هو "الحوار الداخلي"، وهو أحد أقوى المؤثرات في مزاجك وثقتك بنفسك وحتى طريقة تواصلك مع من حولك.
لكن، ماذا لو لم يكن هذا الصوت منصفًا دائمًا؟ ماذا لو كان صارمًا أكثر من اللازم، أو قاسيًا في تقييمه، أو متشائمًا في توقعاته؟
هنا تبدأ الحقيقة الصادمة: عقلك، رغم كونه أداة مذهلة، ليس دائمًا صديقك.
بل أحيانًا، يتحول إلى ناقد داخلي لا يرحم، يشكك في قدراتك، ويستنزف طاقتك بأحاديث لا تنتهي عن الماضي أو المستقبل، فتشعر بأنك عالق في دوامة من التفكير بلا فائدة.
يعود ذلك إلى طبيعة العقل البشري الدفاعية. فالعقل مصمم لحمايتك، لكنه لا يميز دائمًا بين الخطر الحقيقي والمبالغ فيه. لذا، عندما تواجه موقفًا مربكًا أو محرجًا، يبدأ بتفسيره مرارًا وتكرارًا، وكأن التكرار سيمنع تكرار الخطأ.
أما في المواقف المستقبلية، فيعمل على تخيل أسوأ الاحتمالات ليجعلك "مستعدًا"، لكنه في الحقيقة يزرع القلق بدل الحذر.
حين يتحول من تفكير هادف إلى نقد مستمر، ومن تحليل مفيد إلى اجترار مؤذٍ. فبدل أن يساعدك على التطور، يثبتك في مكانك. تبدأ تسمع عبارات مثل:
"لن تنجح أبدًا"، "الجميع أفضل منك"، "لا فائدة من المحاولة"،
حتى تظن بأن هذه القناعات هي حقيقتك، بينما هي في الأصل مجرد ظلال للشك والقلق.
الخبر السار أن تهدئة هذا الصوت لا تحتاج إلى إسكات العقل كليًا، بل إلى تدريبه على الحديث بلغة ألطف وأوضح. إليك بعض الطرق المجربة:
الخطوة الأولى هي الانتباه. اسأل نفسك:
هل أكرر أفكارًا سلبية؟ هل أستخدم كلمات جارحة في حقي؟
راقب حواراتك الداخلية كما تراقب برنامجًا تلفزيونيًا دون تفاعل، فقط لتعرف طبيعة الصوت الذي يعيش معك.
عندما ترتكب خطأً، بدلًا من أن تقول: "أنا فاشل"، جرّب أن تقول:
"ارتكبت خطأ، وسأتعلّم منه".
الكلمات تصنع الفرق، عامل نفسك مثلما تعامل شخصًا تحبه.
ليست كل فكرة تمر في عقلك تستحق التحليل أو الرد، حين تقول لك أفكارك: "ستفشلين غدًا في هذا الاجتماع"، يمكنك ببساطة أن تردّي: "شكرًا على المعلومة، وسأرى لاحقًا ما سيحدث".
هذا التباعد بينك وبين أفكارك يخفف من تأثيرها النفسي.
حين تشعرين أن عقلك يسرع نحو القلق، توقفي وخذي نفسًا عميقًا. الشهيق البطيء والزفير الطويل يعملان كفرامل لهذه العجلة المندفعة من الأفكار.
جرّبي تقنية التنفس: شهيق لـ4 عدّات، حبس النفس لـ4، زفير لـ6 عدّات.
الكتابة وسيلة رائعة لفهم الأفكار وكشف المبالغة فيها. حين تكتبين ما يشغلك على ورقة، يتحول الغموض إلى كلمات، ويقلّ تأثير الفكرة على مزاجك.
عقلك لا يريد أن يؤذيك، لكنه أحيانًا يبالغ في حمايتك. وإذا لم تتعلمي كيف تتحدثين إلى نفسك بلطف، فستعيشين مع ناقد شرس يضعفك بدل أن يدعمك.
تعلمي أن تكوني صديقتك، لا خصمك. فالعلاقة التي تبنينها مع نفسك هي القاعدة لكل ما تبنينه بعدها.