الحياة ليست سلسلة متواصلة من النجاحات، بل هي محاولات متكررة لتحقيقها. كل إنجاز عظيم يسبقه عدد لا يحصى من المحاولات والإخفاقات، تمامًا كما يحدث مع الطفل في خطواته الأولى.
تخيّل طفلك الصغير، وهو يحاول الوقوف، يترنح، يسقط، لكنه لا يستسلم. بل يعاود المحاولة، مرة تلو الأخرى، حتى تتحول خطواته المترددة إلى خطوات ثابتة، ثم إلى ركض واثق.
هذه هي طبيعة النمو والتطور، ليس فقط عند الأطفال، بل عند كل من يسعى لتحقيق أهدافه في الحياة. لكن كيف يمكن للآباء تعزيز هذه الروح في أطفالهم؟
تؤكد الدكتورة أنجيلا ماتكي، طبيبة الأطفال في مركز مايو كلينك للأطفال، أن تنشئة طفل قادر على مواجهة الصعوبات بثقة لا تتمحور حول حمايته من الفشل، بل حول تعليمه كيفية التعامل معه والاستفادة منه.
تقول الدكتورة ماتكي: مع تقدم الطفل في العمر، ستصبح التحديات أكثر تعقيدًا، سواء كانت جسدية أو عقلية أو عاطفية. قد يتعثر أحيانًا، وربما يواجه إخفاقات مؤلمة، لكن دورك كأب أو أم هو أن تكون الداعم الأول له، تشجعه ليقف من جديد ويواصل المحاولة.
إليك بعض الخطوات التي تساعد في غرس هذه القيم في طفلك:
ركز على أن عملية التعلم لا تقل أهمية عن تحقيق النتائج. الفشل ليس عقبة، بل خطوة طبيعية نحو النجاح. عندما يواجه طفلك صعوبة في إتقان مهارة معينة، ذكّره بأنه في كل مرة يحاول، فإنه يقترب خطوة من هدفه.
العديد من الأطفال يشعرون بالإحباط عندما لا يتمكنون من تحقيق هدف معين بسرعة. هنا يأتي دورك في تغيير نظرتهم إلى الفشل، بحيث لا يكون أمرًا يدعو للخوف أو التجنب، بل فرصة لاكتساب خبرات جديدة.
قد يشعر الطفل بالإحباط عند الفشل، وهذا أمر طبيعي. بدلاً من التقليل من مشاعره، اعترف بها وساعده على التعامل معها. قل له: أعلم أنك تشعر بالإحباط الآن، لكن هذا طبيعي. ماذا يمكنك أن تفعل بشكل مختلف في المرة القادمة؟ بهذه الطريقة، يتعلم كيفية التعامل مع مشاعره بدلاً من الاستسلام لها.
بدلاً من إعطائه الحلول الجاهزة، اسأله: ما رأيك؟ كيف يمكنك تجاوز هذه العقبة؟ هذا يساعده على تطوير مهاراته في حل المشكلات واتخاذ القرارات بشكل مستقل.
أخبر طفلك عن الإخفاقات التي مررت بها، وكيف تعلمت منها. عندما يرى أن حتى الكبار يواجهون الفشل ويستفيدون منه، سيشعر بأن الأمر طبيعي، وليس نهاية المطاف.
الأطفال يتعلمون من خلال الملاحظة. إذا رأوك تتقبل التحديات بشجاعة، وتجرب أشياء جديدة حتى لو لم تكن متقنًا لها، فسيتبنون النهج نفسه في حياتهم.
اجعل التعلم ممتعًا، وشجع طفلك على استكشاف مهارات جديدة، حتى لو لم يكن بارعًا فيها في البداية. أظهر له أن المتعة تكمن في الرحلة بقدر ما تكمن في تحقيق الأهداف.
عندما تعلم طفلك أن النجاح ليس مجرد الوصول إلى القمة، بل هو رحلة مليئة بالتجارب والمحاولات، فإنك تمنحه هدية تستمر مدى الحياة. سيكون أكثر قدرة على مواجهة المستقبل بثقة وإصرار، متقبلًا لكل خطوة، سواء كانت نجاحًا يفتخر به أو تجربة جديدة للتعلم منها.
الأطفال الذين يتعلمون هذه المهارات في الصغر يصبحون بالغين قادرين على مواجهة التحديات بشجاعة، والتعامل مع الإخفاقات بروح المثابرة، وهذا هو سر النجاح الحقيقي في الحياة.