لا شيء يعادل فرحة الأم حين ترى طفلها يحقق إنجازًا صغيرًا، فتنهال عليه بعبارات المديح والتشجيع. فهي تريده واثقًا، سعيدًا، يدرك قيمته في هذا العالم.
لكن، ماذا لو كانت بعض أنواع المديح قد تضرّ أكثر مما تنفع؟ وأن الطريقة التي تختارين بها كلماتك يمكن أن تترك أثرًا عميقًا في شخصيته، إما ببنائه ليصبح قويًا ومستقلًا، أو بجعله هشًّا، يخشى الفشل، أو حتى يتوقع النجاح دون مجهود؟
المدح ليس مجرد كلمات، بل هو رسالة خفية يترجمها الطفل إلى مفاهيم تشكل نظرته لنفسه وللحياة. وفي بعض الأحيان، يتحول المدح إلى فخّ، يدفع الطفل نحو الغرور، أو القلق من عدم تلبية توقعات الآخرين، أو حتى إلى فقدان الدافع لتطوير ذاته. فكيف يمكن أن يكون المدح أداة بناء بدلًا من أن يصبح سببًا في تقييد إمكاناته؟
من الطبيعي أن تمدح الأم طفلها بحب وفخر، لكن المبالغة في ذلك قد تفقد هذه العبارات قيمتها الحقيقية، بل وتخلق لديه توقعات غير واقعية عن نفسه والعالم من حوله. إليك بعض الأخطاء الشائعة التي قد تقعين فيها دون قصد:
حين يعتاد الطفل على سماع عبارات مثل "أنت عبقري!" أو "أنت الأفضل في كل شيء!" دون أن يكون هناك سبب حقيقي لذلك، قد يبدأ في توقع النجاح دون بذل مجهود، أو الأسوأ من ذلك، قد يشعر بالإحباط عند مواجهة تحدٍ حقيقي، لأنه يعتقد أنه يجب أن يكون رائعًا في كل شيء تلقائيًا. بدلاً من ذلك، ركزي على مدح المحاولات والتطور، وليس فقط النتائج.
دراسات عديدة أظهرت أن مدح الذكاء ("أنت ذكي جدًا!") يجعل الطفل أكثر خوفًا من الفشل، لأنه يربط نجاحه بقدرة فطرية لا يمكنه التحكم بها. بينما مدح الجهد ("أحببت الطريقة التي ثابرت بها لحل هذه المسألة!") يجعله أكثر إصرارًا واستعدادًا لخوض التحديات.
"أنا فخورة بك لأنك حصلت على أعلى علامة!"... هذه الجملة تبدو إيجابية، لكنها قد تجعل الطفل يشعر أن قيمته مرهونة بالإنجازات فقط. الأفضل هو أن تقولي: "أنا فخورة بك لأنك اجتهدت كثيرًا، بغض النظر عن النتيجة". هكذا تدعمين ثقته بنفسه بعيدًا عن المقارنات أو الأداء الأكاديمي فقط.
في كثير من الأحيان، تتجه الأمهات إلى مدح مظهر الطفل بعبارات مثل: "أنتِ أجمل فتاة في العالم!" أو "يا له من ولد وسيم!"، ما قد يجعله يربط قيمته بمظهره الخارجي فقط. بينما الأفضل التركيز على صفاته الجوهرية، مثل اللطف، أو الذكاء، أو القدرة على التعاون.
"أنتِ أكثر ذكاءً من صديقتك!" أو "أنت أفضل لاعب في الفريق!".. قد يبدو هذا المديح محفزًا، لكنه في الحقيقة يدفع الطفل نحو منافسة غير صحية، ويجعله يقيس نجاحه بناءً على تفوقه على الآخرين، لا بناءً على تقدمه الشخصي.
بدلًا من "أنت عبقري"، قولي: "أحببت كيف فكرت في حل المشكلة بطريقة جديدة".
بدلًا من "أنت رائع"، قولي: "أنا فخورة بك لأنك كنت صبورًا في أثناء تعلمك ركوب الدراجة".
لا تبالغي في المدح، فالطفل يشعر عندما يكون المدح غير حقيقي، ما قد يفقده قيمته.
لا تستخدميه كأداة لدفعه لفعل شيء ما، مثل "أنتَ أفضل طفل في العالم إذا أنهيت طعامك!"، فهذا يربطه بشروط قد تكون ضارة.
امدحي الأخلاق والصفات الإيجابية: مثل اللطف، والصدق، والاجتهاد، بدلًا من الجمال أو التفوق فقط.
المدح الذكي يبني شخصية قوية، في حين أن المدح العشوائي قد يزرع بذور الغرور، أو الخوف، أو حتى الإحباط. لذا، في المرة القادمة التي تمدحين فيها طفلك، اسألي نفسك: هل هذه الكلمات تمنحه ثقة حقيقية أم توقعات زائفة؟ هل تشجعه على الاستمرار في التعلم والتطور، أم تجعله يخشى الفشل؟ المدح ليس مجرد إطراء، بل وسيلة لتشكيل شخصية الطفل، فاختاري كلماتك بحكمة.