في عالم التكنولوجيا المتسارع، تظهر بين الحين والآخر ابتكارات تهدد بتغيير قواعد اللعبة.
من بين هذه الابتكارات، يبرز نموذج الذكاء الاصطناعي "DeepSeek"، الذي تطوره شركة ناشئة صينية، كأحد التحديات الكبرى للعملاق "ChatGPT" التابع لشركة OpenAI.
لا يتعلق الأمر فقط بتقنيات متقدمة أو أداء مميز، بل بقدرة "DeepSeek" على تقديم تجربة ثورية بموارد أقل وتكاليف أقل؛ ما يثير تساؤلات حول مستقبل المنافسة في هذا المجال.
عند الحديث عن الشفافية في الذكاء الاصطناعي، ادّعت OpenAI في بداياتها أن "ChatGPT" سيكون نموذجًا مفتوح المصدر ومتاحًا للجميع، إلا أن التطبيق الفعلي لم يرقَ إلى هذه التوقعات. في المقابل، فاجأ "DeepSeek" الجميع بإطلاقه لنموذجه "R1" كمصدر مفتوح، حيث يمكن لأي شخص تنزيله وتشغيله محليًا دون الحاجة للقلق بشأن مشاركة بياناته مع أي جهة.
هذا الانفتاح يقدم ميزة كبيرة للمستخدمين الذين يهتمون بالخصوصية، فضلًا عن إمكانية تجاوز أي قيود أو رقابة قد تكون مفروضة على النتائج.
بينما تصل تكاليف تدريب نماذج OpenAI إلى عشرات الملايين من الدولارات، تمكنت "DeepSeek" من تدريب نموذجها بميزانية لا تتجاوز 5.5 مليون دولار.
هذا الفرق الكبير في التكاليف انعكس أيضًا على المستخدمين؛ إذ تبدأ أسعار الوصول إلى واجهات برمجة التطبيقات الخاصة بـ"DeepSeek" من 0.14 دولار لكل مليون وحدة من البيانات النصية (ما يعادل 750,000 كلمة تقريبًا)، مقارنة بـ7.50 دولار للمليون وحدة على منصة OpenAI.
هذه الفجوة السعرية الكبيرة قد تدفع العديد من الشركات والمطورين لإعادة النظر في استخدامهم لـ"ChatGPT"، خاصة مع تقارب مستوى الأداء بين النموذجين في العديد من المهام.
فيما لا يزال "ChatGPT" يحتفظ بتفوقه في المهام الإبداعية مثل الكتابة التفاعلية أو الأخبار والمعلومات الحديثة، أثبت "DeepSeek" كفاءته في المهام التقنية مثل البرمجة، التفكير المنطقي، وحل المعادلات الرياضية. هذا التفوق يجذب شريحة كبيرة من المستخدمين الذين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي لأداء وظائف تقنية متخصصة.
ومع أن الأداء بين النموذجين متقارب في العديد من الجوانب، إلا أن التكلفة المنخفضة لـ"DeepSeek"، خاصة مع إتاحته مجانًا للاستخدامات الفردية، تجعل من الصعب تجاهله كمنافس قوي.
المنافسة بين "DeepSeek" و"ChatGPT" تعكس تحولًا مهمًا في قطاع الذكاء الاصطناعي. فمن جهة، يُظهر "DeepSeek" أنه بالإمكان تقديم أداء مميز بموارد أقل، ومن جهة أخرى، تواجه OpenAI ضغوطًا لإعادة التفكير في نموذج عملها للحفاظ على مكانتها في السوق.
وفي ظل هذا التنافس المحموم، يبدو أن المستفيد الأكبر هو المستخدم الذي سيحظى بخيارات أكثر تنوعًا وأسعار أكثر تنافسية. كما أن انتشار نماذج مفتوحة المصدر مثل "DeepSeek" قد يُعيد تعريف العلاقة بين التكنولوجيا وخصوصية المستخدم؛ ما يفتح آفاقًا جديدة لتبني الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات.