في عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبحت وسائل التواصل تتطور بوتيرة سريعة، ولكن يبدو أن هذا التقدم لا يخلو من سلبيات تؤثر على طبيعة تواصلنا كبشر.
من استبدال المحادثات الشخصية بالرسائل النصية، إلى الاعتماد المتزايد على "الشات بوت" لإدارة خدمات العملاء، يبدو أن الإنسانية أصبحت أقل حضورًا في حياتنا اليومية.
لا شك في أن الشركات الكبرى تجد في تقنيات التواصل الحديثة، مثل "الشات بوت"، فرصة لتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة، ولكن ماذا عن الجانب الآخر من التفاعل؟
تجربة العميل غالبًا ما تكون محبطة، من مكالمات لا تنتهي مع أنظمة آلية، إلى استجابات غير شخصية لا تعالج المشكلات الفعلية، يتساءل بعضهم: هل أصبحت التكنولوجيا الحديثة سببًا في فقدان اللمسة الإنسانية في تواصلنا؟
تجربة العملاء مع أنظمة الدعم الآلي عادة ما تكون معقدة ومليئة بالتحديات، خذ مثالًا على ذلك عندما تواجه مشكلة بنكية تستدعي تدخلًا بشريًّا، تبدأ الرحلة بمكالمات طويلة مع روبوتات تقدم خيارات متعددة دون تقديم حل حقيقي، وفي النهاية تجد نفسك تصرخ "أريد مندوبًا!"، في لحظة إحباط تعكس كيف يمكن لهذه التجارب أن تدفعنا بعيدًا عن سلوكاتنا الطبيعية كأشخاص لطيفين ومتعاونين.
من منظور تطوري، البشر لم يتكيفوا بعد مع آليات التواصل الحديثة التي تفصل بين الأفراد، وتجعل التفاعل أقل شخصية، على مدار تاريخنا كان التواصل وجهًا لوجه هو السائد، في البيئات البدائية كنا نتواصل مع أشخاص نعرفهم ونعيش معهم، ما يفرض مستوى معينًا من الاحترام والتفاهم المتبادل.
وفقًا لدراسات علم النفس السلوكي (Geher & Wedberg, 2022)، التفاعل مع الغرباء أو عبر وسائل غير شخصية مثل الروبوتات يؤدي إلى ما يسمى بـ"فقدان الفردية" أو "Deindividuation"، هذا المفهوم يشرح لماذا قد نتحدث بحدة مع شات بوت، على حين أننا لن نتحدث بالطريقة نفسها مع موظف بشري.
التكنولوجيا لا تقتصر على إعادة تشكيل الطريقة التي نتواصل بها فحسب، بل تؤثر أيضًا على مستوى الثقة بين العملاء والشركات، عندما يشعر العميل بأنه مجرد رقم في قائمة طويلة من المكالمات، تتضاءل ثقته بالشركة، هذا التغيير قد يعود بفوائد مالية قصيرة الأمد على الشركات، ولكنه يأتي على حساب بناء علاقة طويلة الأمد مع العملاء.
علاوة على ذلك، يُهدر الأفراد ساعات طويلة أسبوعيًّا في محاولة حل مشكلاتهم عبر أنظمة دعم لا تلبي احتياجاتهم، وتشير دراسات (Zimbardo, 2007) إلى أن هذا النوع من الإحباط يترك أثرًا سلبيًّا على الصحة النفسية للفرد، ما يفتح الباب لتساؤلات حول جدوى هذه التقنيات.
لتحقيق توازن أفضل، على الشركات أن تأخذ بعين الاعتبار احتياجات العملاء من منظور تطوري، تقديم الدعم عبر وسائل تجمع بين السرعة والكفاءة مع لمسة إنسانية قد يكون هو الحل، مثلًا يمكن للشركات توفير خيار الوصول المباشر لمندوب بشري بعد مرحلة أولية من التفاعل مع الروبوت، ما يمنح العملاء الشعور بأنهم مسموعون ومقدّرون.
خلاصة القول، إن التطور التكنولوجي يمثل تحديًا كبيرًا للطبيعة البشرية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتواصلنا مع الآخرين، ولكن إذا استطعنا استخدام التكنولوجيا بطرق تتماشى مع طبيعتنا التطورية، قد نجد أن الحلول لا تحتاج إلى استغناء كامل عن "الشات بوت"، بل إلى دمج الجانب الإنساني بشكل أفضل في أنظمة التواصل.