الاستحمام وتدفق الأفكار

علماء يكشفون علاقة الاستحمام بتدفق الأفكار والإبداع

لايف ستايل
فريق التحرير
22 يناير 2025,11:44 ص

ليس من الغريب أن تجد الأفكار الملهمة والمبتكرة طريقها إليك أثناء الاستحمام أو خلال انشغالك بمهمة اعتيادية لا تحتاج إلى الكثير من التركيز.

ربما لم تتساءل يومًا عن السبب وراء ذلك، وقد تظن أن الأمر مجرد مصادفة عابرة، إلا أن هناك تفسيرًا علميًّا دقيقًا لهذا الظاهرة.

العلم يفسر علاقة الاستحمام بتدفق الأفكار

f5979d07-aa00-4d44-a8ce-ed6bad913aff

وفقًا لما ذكرته كالينا كريستوف، المتخصصة في علم الأعصاب الإدراكي بجامعة كولومبيا البريطانية، فإن ثقافتنا تميل إلى ربط الإبداع بالعمل الجاد والمركّز، ولكن في الواقع، تُظهر الدراسات أن الأفكار الإبداعية غالبًا ما تأتي عندما يكون الدماغ في حالة راحة.

وقد نشرت مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" تقريرًا يتناول هذا الموضوع، مشيرة إلى دور شبكة عصبية تُعرف بـ"شبكة الوضع الأصلي" (Default Mode Network).

هذه الشبكة هي مجموعة من المناطق في الدماغ تعمل بتناغم عندما يكون الإنسان في حالة استرخاء أو أثناء أداء مهام روتينية لا تتطلب انتباهًا كبيرًا.

أخبار ذات صلة

هذه مخاطر الاستحمام وأنت ترتدين العدسات اللاصقة

ووفقًا لعالم الأعصاب الإدراكي روجر بيتي من جامعة بنسلفانيا، فإن هذه الشبكة تمثل الحالة التي يعود إليها الدماغ عندما لا يكون منخرطًا في نشاط ذهني يتطلب تركيزًا عاليًا.

وخلال المهام الصعبة، تقوم أنظمة التحكم التنفيذية في الدماغ بتوجيه التفكير بشكل تحليلي ومنطقي؛ ما يقلل من حرية تدفق الأفكار. مع ذلك، تلعب شبكة الوضع الأصلي دورًا أساسيًّا في المراحل الأولى من توليد الأفكار عبر الاستفادة من الخبرات والذكريات السابقة.

دراسات تتناول تأثير الاستحمام

eda28b07-6418-4d68-8562-4501e32e995b

في دراسة بعنوان "أهمية شبكة الوضع الأصلي في الإبداع: دراسة بنيوية باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي" (The Importance of the Default Mode Network in Creativity—A Structural MRI Study) خلصت إلى وجود ارتباط إيجابي بين الأداء الإبداعي وحجم المادة الرمادية في هذه الشبكة. 

بينما أشارت دراسة أخرى بعنوان "شبكة الوضع الأصلي تتعلق بشكل عرضي مع التفكير الإبداعي" (The Default Network is Causally Linked to Creative Thinking) إلى أن نشاط هذه الشبكة يزداد عندما يكون الشخص في حالة راحة، أو يؤدي مهام تتطلب جهدًا منخفضًا مقارنة بالمهام الأكثر صعوبة.

أما الظاهرة التي تُعرف بـ"تأثير الاستحمام" (Shower Effect)، فقد تناولها زاكاري إرفينغ، عالم الإدراك وأستاذ الفلسفة في جامعة فيرجينيا، حيث شرح كيف يمكن للأنشطة المعتدلة الجهد مثل الاستحمام أو المشي أن تعزز الإبداع من خلال ما يُسمى بشرود الذهن.

وأوضح أن التركيز المكثف على حل مشكلة ما قد يؤدي أحيانًا إلى نتائج عكسية، بينما يسمح شرود الذهن للدماغ بالتجوال بين أفكار مختلفة؛ ما يفتح المجال لاكتشاف حلول مبتكرة وغير متوقعة.

المزاج الجيد يؤدي إلى الإبداع المضمون

b6baf9f3-6b4c-4473-821b-0f73b5b64130

كشف الدكتور جورج حنا، اختصاصي في أمراض الدماغ والأعصاب وأستاذ محاضر في الجامعة اليسوعية، قسم العلوم الاجتماعية، في حديث لجريدة النهار، أسرار الإبداع أثناء الاستحمام قائلًا: كي يكون الشخص مبدعًا، يجب أولًا أن ينعم بوظائف عقلية سليمة، وأن يعزز دماغه ويغذّيه، ولا سيما بعناصر خارجية عبر المعلومات التي يحصل عليها ويخزّنها، إلى أن يطلقها على شكل أفكار إبداعيّة.

وتابع: يمكن للشخص أن يبدع فيما هو شارد الذهن أو مستلقٍ، ولا يفعل أيّ شيء، ومن غير أيّ تشويش خارجي على أفكاره. إنَّ مجرد التركيز والانتباه إلى شيء محدَّد، يمنع أفكاره من التفلّت، ويعيق إبداعه. خلال أداء المهمات الأوتوماتيكية الرتيبة، لا يشغّل الدماغ المادة الرمادية فيه المتخصصة بالمهمات التي تتطلب تركيزًا ووعيًا. بالتالي، يكون العقل في حالة قريبة من اللاوعي، مع ما يختزنه من أفكار ومشاعر وذكريات.

وأضاف: ثمة علاقة إيجابية بين المزاج الجيد والإبداع. وهنالك خلايا في دماغ الإنسان تفرز ناقلات عصبية متنوعة كالسيروتونين والدوبامين (المسؤولين عن مشاعر السعادة) وغيرهما. وحينما يشعر الشخص بمزاج جيّد، يرتفع معدل السيروتونين لديه، ويغدو إبداعه قويًّا.

أخبار ذات صلة

الاستحمام بالماء البارد سلاح سرّي لشعر أكثر صحة

وأشار الدكتور جورج إلى أن الوظائف الذهنية للدماغ (الوظائف الفكرية العليا) التي تتعلق بالتخطيط والتفكير والتحليل والحكم والنقد والذكاء والإبداع وغيرها موجودة جميعها في المنطقة الأمامية من الدماغ المُسماة بـ"القشرة ما قبل الجبهية" PREFRONTAL CORTEX. يصنع هذا الجزء من الدماغ الفارق بين الإنسان والحيوان، ويحتوي على نسبة عالية من ناقل عصبي يسمّى الـ"دوبامين" الذي يترافق ارتفاعه مع تحسّن في مستوى الإبداع.

في النهاية، قد يبدو أن اللحظات التي نخصصها للراحة والاسترخاء ليست مجرد فترات عابرة، بل هي فرص ثمينة لتفعيل قدراتنا الإبداعية؛ ما يؤكد أهمية منح الدماغ مساحة من الحرية بعيدًا عن الضغوط والتوتر لتحقيق أقصى إمكاناته.

google-banner
foochia-logo