أن تكوني أمًا عاملة لا يعني بالضرورة أنك أم مقصرة بحق أطفالك، ولا داعي للغرق في شعور الذنب الذي يواجه كل أم عاملة.
أنت تعلمين جيدًا لماذا اخترت أن تكوني كذلك، وأطفالك ضمن الأسباب التي جعلتك ترغبين في تطوير حياتك والسعي من أجل مستقبل أفضل لك ولهم.
من أجل هذا، نقدم لك بعض النصائح للتعامل مع المشاعر التي تجعلك معلّقة بين رغبتك العارمة في احتضان أطفالك وتلبية احتياجاتهم طوال النهار، وبين رغبتك في التطور المهني وتحقيق أحلامك.
تذكري الأسباب التي جعلتك تختارين العمل منذ البداية، بالتأكيد خضت العديد من النقاشات مع نفسك حول اختيار العمل أم البقاء مع طفلك بعد إجازة أمومتك، حاولي كتابة كل الأسباب بشكل مختصر وتعليقها في مكان يسهل مطالعته يوميًا قبل الذهاب للعمل، حتى لا تقعي ضحية الأفكار الخارجية التي تعكر مزاجك، وتجعلك تغرقين في دوامة شعور لن يضيف لحياتك وحياة أطفالك أي شيء.
لكل شخص قيمه الخاصة في الحياة، فقد تكون القيمة الأولى في حياة امرأة أخرى هي الأمومة، وعيش كل لحظة في حياة أطفالها، وهي مستمتعة ببقائها في المنزل لأن ذلك يناسب قيمها العليا، بينما قد تكون قيمتك العليا في الحياة هي تحقيق الإنجازات، صدقيني حتى لو اخترت سماع ذلك الصوت الذي يُشعرك بالذنب وبقيت في المنزل؛ ستكون حياة أطفالك مثل الجحيم لأنك لا تمتلكين الصبر الكافي لإعادة نفس الروتين اليومي في حياتك، وبذلك ستدمرين معنوياتهم أكثر مما ترفعين.
هناك أشخاص يعيشون دورًا واحدًا في الحياة ومكتفون به، لكن هناك أشخاص آخرون يخوضون عدة أدوار ويوازنون بينها بشكل منظم ورائع، يجعلك تتسائلين من أين يمتلكون كل هذا الوقت! هو ليس الوقت بقدر ماهو الرغبة الداخلية في فعل كل ذلك، نحن نُتقن فعل ما نحب ونرغب بفعله، فإذا كنت ترغبين بالعمل، وأن تكوني أمًا أيضًا فثقي تمامًا بأنك قادرة على الموازنة بين الدورين.
جميع العلاقات تحكمها ظروف ومقومات مختلفة، لكن الشيء المتفق عليه في جميع أنواع العلاقات هو النوعية التي تقدمينها للعلاقة، نوعية المشاعر ونوعية الوقت الممنوح للطرف الآخر، وهي كذلك إن تعلق الأمر بأطفالك، فأن تكوني أمًا عاملة ومشغولة طوال النهار بعيدًا عن أطفالها، حيث يقوم شخص آخر "مربية مثلاً" بالقيام بالمهام الروتينية اليومية، ثم العودة لأطفالك بمشاعر ممتلئة بالشوق والحب وتقديم وقت نوعي ينتظره أطفالك كل يوم، أفضل من أن تبقي طوال النهار مع أطفالك وأنت غير راغبة بذلك.
هناك صوت يهمس في أذن الجميع بحدود المسموح والممنوع، وماهو جيد وماهو ليس كذلك، إنه صوت المجتمع الموجود في كل مكان، حيث يتم وضع أنماط عامة يجب على الجميع التوافق معها، وأنماط المجتمع تزيد من شعور الذنب لدى الأم، لأنها تفترض أن الأم الجيدة وحدها هي من يجب عليها التعامل مع أطفالها بشكل يومي وكامل، وعليها تسخير نفسها لأطفالها فقط. أنت تعرفين جيّدًا أن هذا الحكم غير عادل، وأنك أم جيّدة حتى لو كنت بعيدة عنهم لبعض الوقت من أجل مصلحتهم ومصلحتك، فالأم السعيدة، أطفالها سعداء حتمًا.
الشعور بالذنب مثله مثل أي شعور يتكون من مجموعة من الأفكار تقتنعين بها ثم تشحنين مشاعرك بها لتُلازمك وتُفسد عليك حياتك، عليك تعلم طريقة التعامل مع مشاعرك بشكل جيّد جدًا، واختيار نوعية الأفكار التي تستقبلينها، فإذا داهمتك فكرة تقول بأن على الأم أن تشعر بالذنب تجاه أطفالها لأنها تعمل، قومي برفض الفكرة فورًا وتذكير نفسك بكل ماذكرناه سابقًا عن الأسباب والقيم العليا لك.
وفي النهاية، فإن الأمومة دور عظيم لا ينكره أي شخص عاقل، ومهما كان نوع الأمومة الذي تقدمينه لأطفالك فأنت مازلت بنظرهم النجمة المضيئة التي ينتظرونها يوميًا، فكوني نجمة مضيئة بسعادتك باختياراتك في الحياة، ولا تكوني نجمة متوافقة مع مقاييس المجتمع لكن منطفئة بأعين أطفالها.