تقع نساء كثيرات فريسة لواحدة من أبرز المشكلات النفسية التي تعرف باسم "اضطراب ما بعد الصدمة"، إذ تؤثر هذه الحالة على النساء بمقدار الضعف مقارنة بالرجال.
ويعد اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) حالة صحية نفسية شائعة تتطور بعد وقوع حدث صادم، وعرفت بأسماء عديدة في الماضي، مثل "صدمة القذيفة" خلال سنوات الحرب العالمية الأولى، و"الإرهاق القتالي" بعد الحرب العالمية الثانية، وهذه الحالة لا تحدث فقط للمحاربين القدامى.
وينطوي PTSD على أعراض مثل: ذكريات الماضي والقلق والأفكار والمعتقدات السلبية واليقظة المفرطة وغيرها، والعلاج الرئيس لهذه الحالة هو العلاج النفسي (العلاج بالكلام)، مع إدراك أهمية دعم مرضى اضطراب ما بعد الصدمة خلال رحلتهم للتعافي.
يوصف اضطراب ما بعد الصدمة PTSD بأنه اضطراب نفسي قد يحدث لدى الأشخاص الذين مروا بحدث مؤلم أو سلسلة من الأحداث أو مجموعة من الظروف.
ووفقا لموقع psychiatry، يسبب الحدث المؤلم للفرد ضررا عاطفيًا أو جسديًا، أو يهدد حياته، وقد يؤثر في الصحة العقلية والجسدية والاجتماعية، ومن أبرز الأمثلة لتلك الأحداث: الكوارث الطبيعية والحوادث الخطيرة والأعمال الإرهابية والحروب والاغتصاب أو الاعتداء الجنسي وعنف الشريك والتسلط وغيرها.
يحدث اضطراب ما بعد الصدمة لأي شخص من أي عرق أو جنسية أو ثقافة، وفي أي عمر أيضا، ويبلغ معدل انتشاره لدى المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عامًا 8%، فيما تشير التقديرات إلى أنه سيتم تشخيص إصابة واحد من كل 11 شخصًا باضطراب ما بعد الصدمة في حياتهم.
ويعاني الأشخاص المصابون من أفكار ومشاعر حادة ومزعجة تتعلق بتجربتهم، والتي تستمر لفترة طويلة بعد انتهاء الحدث الصادم، وقد يسترجعون الحدث من خلال ذكريات الماضي أو الكوابيس؛ وقد يشعرون بالحزن أو الخوف أو الغضب أو الانفصال أو الغربة عن الآخرين.
يعاني العديد من الأشخاص الذين يتعرضون لحدث صادم، في الأيام التالية للحدث، من أعراض مشابهة للتالي ذكرها، ومع ذلك لكي يتم تشخيص إصابة شخص ما باضطراب ما بعد الصدمة يجب أن تستمر الأعراض لأكثر من شهر، ويجب أن تسبب ضائقة كبيرة أو مشاكل في الأداء اليومي للفرد.
وتظهر الأعراض على العديد من الأفراد في غضون 3 أشهر من الصدمة، ولكن قد تظهر الأعراض لاحقًا، وتستمر غالبًا لأشهر وأحيانًا لسنوات.
وذكر موقع clevelandclinic أن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة تنقسم إلى الفئات الأربع التالية:
1- التطفل: الأفكار المتطفلة، مثل الذكريات المتكررة اللاإرادية، الكوابيس، ذكريات الماضي من الحدث المؤلم، والتي يمكن أن تكون حية للغاية، وتشعر بأنها حقيقية.
2- التجنب: تجنب الأشياء التي تذكر بالحدث الصادم، مثل الأشخاص والأماكن والأنشطة والأشياء والمواقف، تجنب تذكر أو التفكير في الحدث الصادم، أو تجنب الحديث عما حدث أو ما تشعر به حيال ذلك.
3- تغيرات في الإدراك والمزاج: عدم القدرة على تذكر جوانب مهمة من الحدث الصادم، والأفكار والمشاعر السلبية التي تؤدي إلى معتقدات مستمرة ومشوهة عن الذات أو الآخرين، والخوف المستمر أو الرعب أو الغضب أو الذنب أو العار، فضلا عن الشعور بالانفصال أو الغربة عن الآخرين؛ أو عدم القدرة على تجربة المشاعر الإيجابية.
4- تغيرات في الاستثارة والتفاعل: قد تشمل أعراض الاستثارة والتفاعل الانفعال ونوبات الغضب، التصرف بتهور أو بطريقة مدمرة للذات؛ الإفراط في الحذر من محيطه بطريقة مشبوهة؛ الدهشة بسهولة؛ أو وجود مشاكل في التركيز أو النوم.
أوضحت هيئة الخدمات الصحية بالمملكة المتحدة أن أي موقف يجده الشخص مؤلمًا يمكن أن يسبب اضطراب ما بعد الصدمة، وتشمل هذه:
وتشير التقديرات إلى أن اضطراب ما بعد الصدمة يؤثر في شخص واحد تقريبًا من كل 3 أشخاص لديهم تجربة مؤلمة، ولكن ليس من الواضح بالضبط سبب إصابة بعض الأشخاص بهذه الحالة وعدم إصابة البعض الآخر بها.
لا يوجد اختبار لتشخيص اضطراب ما بعد الصدمة. وبدلاً من ذلك، يقوم مقدم الرعاية الصحية بإجراء التشخيص بعد سؤاله عن:
أيضا قد يقوم الطبيب بإجراء فحص جسدي أيضًا، ويطلب اختبارات معينة، مثل اختبارات الدم؛ لمعرفة ما إذا كانت أي حالة جسدية قد تسبب بعض الأعراض.
ويستخدم الأطباء المعايير التشخيصية لاضطراب ما بعد الصدمة طبقا لما ورد في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الصادر عن جمعية علم النفس الأمريكية (DSM-5).
الاكتئاب مشكلة شائعة يمكن أن تتطور بعد الصدمة. عندما تشعر بالاكتئاب، ينتابك شعور بالحزن أو سوء الحالة المزاجية، وهذه المشاعر تدوم لفترة أطول، ويمكن أن تعيق حياتك اليومية.
وذكر موقع healthline أن الأبحاث تشير إلى أن ما يقرب من نصف الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، أو عانوا منه يعانون من الاكتئاب، كما أن الأشخاص الذين عانوا من اضطراب ما بعد الصدمة في مرحلة ما من حياتهم هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب 3 إلى 5 مرات من الأفراد الذين لم يعانوا من اضطراب ما بعد الصدمة.
الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو اضطراب الاكتئاب هم أيضًا أكثر عرضة للإصابة بأعراض اضطراب القلق.
بينما ذكر موقع jedfoundation أن العلاقة بين الصدمة واضطراب ما بعد الصدمة وخطر الانتحار معقدة، ولا يزال الباحثون يعملون لمعرفة المزيد عنها، لكن الأكيد أن "التروما" و PTSD يزيدان من خطر الانتحار.
وشرح: قد تؤدي الصدمة واضطراب ما بعد الصدمة إلى زيادة خطر الانتحار، إذ تظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الصدمات واضطراب ما بعد الصدمة لديهم خطر أكبر للأفكار الانتحارية ومحاولات الانتحار أو حتى الانتحار فعليا.
وأبلغ 14% من الناجين من الصدمات، وما يقرب من واحد من كل 3 أشخاص يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة عن محاولة انتحار، وقد ترتبط أنواع معينة من الصدمات، خاصة التجارب التي تعرضت فيها للأذى على يد شخص آخر، بزيادة خطر محاولات الانتحار.
وفقا لموقع nhs.uk، يمكن علاج اضطراب ما بعد الصدمة بنجاح حتى عندما يتطور بعد سنوات عديدة من وقوع حدث صادم، مشيرا إلى أن العلاج يعتمد على شدة الأعراض ومدى سرعة ظهورها بعد الحدث الصادم.
وذكر أن العلاجات الرئيسة لاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) تتضمن العلاجات الحديثة والأدوية، إذ قد يوصي الطبيب بأي من خيارات العلاج التالية:
1- الانتظار اليقظ:
مراقبة الأعراض لمعرفة ما إذا كانت تتحسن أو تزداد سوءًا دون علاج، ويوصف إذا كنت تعاني من أعراض خفيفة لاضطراب ما بعد الصدمة، أو كنت تعاني من الأعراض لمدة أقل من 4 أسابيع.
2- الأدوية:
الدواءان الموصى بهما لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة لدى البالغين هما الباروكستين والسيرترالين، وهما من مضادات الاكتئاب المعروفة باسم مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs).
3- العلاجات الحديثة:
إذا كنت تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة الذي يتطلب العلاج، فعادةً ما يوصي الطبيب بالعلاج بالتحدث أولاً (العلاجات الناطقة)، مثل العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمات (CBT) أو إزالة حساسية حركة العين وإعادة معالجتها (EMDR).
رأت "كليفلاند كلينيك" أنه لا يمكنك بالضرورة منع وقوع حدث صادم، لكن تظهر بعض الدراسات أن بعض الخطوات قد تساعدك في منع اضطراب ما بعد الصدمة بعد ذلك، وتسمى هذه "عوامل الحماية" وتشمل: