يجمع كتاب الشاعر والصحفي الأردني حسين جلعاد "شرفة آدم.. تأملات في الوجود والأدب"، بين التأمل الفلسفي والطرح الأدبي العميق، مستعرضًا تجارب ثقافية متنوعة ومحاور أدبية ذات طابع عالمي وعربي.
يتناول الكتاب الذي يقع في 315 صفحة، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، موضوعات تتقاطع بين الفلسفة والأدب، ويضيء على تجارب روائية وشعرية، إضافة إلى استكشافات فكرية لمبدعين وكتّاب أثرَوا الساحة الأدبية العربية والعالمية، كما يتضمن الكتاب مقالات نقدية وحوارات صحفية أجراها المؤلف مع رموز أدبية بارزة، إلى جانب تحليلات مستفيضة لأعمال روائية وشعرية.
يستهل جلعاد كتابه بمقدمة تحت عنوان "نصف تفاحة"، حيث يتأمل في فكرة المعرفة الإنسانية الناقصة، مستلهمًا من قصة شجرة المعرفة أو حكاية آدم وحواء مع التفاحة التي أكلا منها. ويقول المؤلف في مقدمته: إذا كانت الفاكهة المحرمة التي أكلها آدم وحواء في الجنة هي التفاحة فعلًا، فإنها حتمًا سقطت من أيديهما بعد القضمة الأولى، لقد راعهما هول المعرفة، والأفدح أنهما اقترفا الممنوع. ما تبقى من التفاحة سقط على الأرض، وبقينا نحن البشر الفانين نقتات عليها... لكن الجانب المضيء من الحكاية أيضًا أننا بعد الهبوط إلى الأرض تبقى لنا أن نعرف، وأن نبحث عن المعرفة، عن الحكمة التي قد تجيب عن كل الأسئلة التي هبطت مع آدم ونصفه.
هذه التأملات تمهد للقارئ منهجية الكتاب، حيث يطرح جلعاد فكرة أن الأدب هو نصف التفاحة المتبقية من المعرفة، وهو الوسيلة التي تعكس صراعات الإنسان وأسئلته الوجودية.
يضم كتاب "شرفة آدم"، بين دفتيه تأملات عميقة في عوالم الأدب، حيث يتناول جلعاد أعمالًا لمبدعين بارزين، مثل: غالب هلسا، وأمجد ناصر، وأبي الطيب المتنبي، وبوبي ساندز، وهنري ميلر، وإبراهيم نصر الله، وإدوار الخراط، وسميحة خريس، وزياد العناني، ورمضان الرواشدة، وعبد العزيز آل محمود.
كما يقدم حوارات شائقة مع قامات أدبية وفكرية، منهم: قاسم حداد، وإلياس فركوح، ومحمد بنيس، ومؤيد العتيلي، وإدواردو سانجونيتي، وواسيني الأعرج، وتيسير نظمي، وشاكر لعيبي، وأمير تاج السر، وحكمت النوايسة، وزياد بركات، ومحمد العامري، وسيف الرحبي، وإسكندر حبش، وأحمد راشد ثاني. ويناقش المؤلف مع أسماء لامعة في عالم الكتابة قضايا تتراوح بين دور الأدب في مقاومة الاستبداد، وتأثير الحداثة في الشعر العربي، وخصوصية الرواية العربية في ظل التحولات السياسية والاجتماعية. ويضم الكتاب عدة محاور أدبية ونقدية، منها تحليل لأعمال شعراء وروائيين عرب وعالميين، مثل محمود درويش، بابلو نيرودا، وآرثر ميلر، إلى جانب قراءات معمقة في الفلسفة وتأثيراتها في الأدب، مثل: علاقة الأديب الأردني غالب هلسا بالفكر الفلسفي.
كما يخصص جلعاد مقالات لدراسة الشعر الحديث، متناولًا قضايا، مثل: "فضيحة الشعراء.. جماهيرية الشعر في الزمن الجميل"، و"فلسفة الإيقاع في الشعر العربي"، إلى جانب مناقشة أعمال روائيين، مثل: الروائي الجزائري واسيني الأعرج في روايته "الأمير"، وأثر الأدب في بناء الهوية الثقافية.
يضيء حسين جلعاد في كتابه على عدد من الرموز الأدبية والفكرية العالمية، التي أثرت بعمق في تاريخ الأدب والثقافة، مثل: بابلو نيرودا الذي حول الشعر إلى أداة ثورية واجتماعية، مسلطًا الضوء على دور الشعر في تشكيل الوعي الجمعي، وكذلك بوبي ساندز، الشاعر والمناضل الأيرلندي الذي جسد في قصائده صراع الحرية والمقاومة؛ ما جعل أدبه متجاوزًا للحدود القومية.
كما يناقش جلعاد تأثيرات الفكر الفلسفي والأدبي الغربي في الأجيال الجديدة من الكتاب، مستعرضًا محطات من حياة وأعمال آرثر ميلر، الذي كشف زيف "الحلم الأمريكي" من خلال أعماله المسرحية مثل: "موت بائع متجول"، وكيف تداخلت السياسة بالمسرح عنده؛ ما يجعله أحد أعمدة النقد الاجتماعي الحديث في المسرح العالمي.
ويتضمن الكتاب حوارًا خاصًّا أجراه جلعاد مع الشاعر الإيطالي إدواردو سانجونيتي، الذي كان يُعتبر آنذاك أهم شاعر إيطالي حي، حيث ناقش معه رؤيته للشعر المعاصر، ودور الأدب في مواجهة التحديات السياسية والثقافية، إضافة إلى استعراض ملامح تجربته الشعرية التي تميزت بالبعد الفلسفي والتأمل العميق في قضايا الوجود.