أصدر الكاتب المصري محمد المليجي مجموعته القصصية الجديدة بعنوان "شجرة الصفصاف" عن دار "بيت الياسمين" للنشر بالقاهرة، وهي مجموعة تسلط الضوء على مجموعة من القضايا الإنسانية والاجتماعية، في تنوع موضوعاتها ما بين العلاقة الأسرية والموروث الشعبي المصري، وصولًا إلى علاقة الشرق بالغرب.
ويأخذنا المليجي في هذه المجموعة عبر قصة جديدة تمامًا عن الحياة اليومية للمهاجرين المصريين، مع التركيز على التأثير الروحي للغربة.
الغربة وتأثيرها الروحي في الأفراد
تركز المجموعة القصصية على حياة المصريين المغتربين في الولايات المتحدة، وما يعانونه من صراع داخلي بين هوياتهم الأصلية وتحديات الحياة الجديدة التي يواجهونها.
ويسرد المليجي عبر شخصياته المتنوعة كيف يمكن أن تكون الهجرة قسرية، وأن كثيرًا من المصريين يجدون أنفسهم في بلاد غريبة ليس عن طيب خاطر، بل نتيجة للظروف التي فرضتها عليهم الحياة. يسلط الضوء على مواقف إنسانية بسيطة، لكنها عميقة في دلالتها، مثل مأساة تاجر الأقمشة الذي أصبح أسيرًا لأبنائه في الخارج، أو مواقف أخرى تتعلق بالضغوط اليومية للمهاجرين الذين يحاولون التكيف مع بيئة مختلفة تمامًا عن بيئتهم الأصلية.
العلاقة بين الشرق والغرب: رؤية جديدة
أحد الموضوعات الأساسية التي يتناولها المليجي في مجموعته هو العلاقة الملتبسة بين الشرق والغرب، التي يطرحها في إطار إنساني بعيد عن الأحكام المسبقة والتعميمات. من خلال القصص التي يرويها، يقدم المليجي مقاربة جديدة حول هذه العلاقة، إذ يتناول الواقع الحياتي للمهاجرين المصريين في الخارج، مع التركيز على التوترات الداخلية التي يعيشونها بسبب اختلاف الثقافة والمكان والزمن. رغم المسافة الجغرافية، يكتشف القارئ في النهاية أن حاجات البشر الأساسية، مثل الحاجة إلى الحب والتواصل، تظل واحدة في أي مكان بالعالم.
بساطة السرد وحس إنساني عميق
تميزت القصص التي ضمَّتها المجموعة بأسلوب سردي سلس وبسيط، يلتقط التفاصيل الدقيقة، ويقدمها للقراء بلغة مباشرة وسهلة.
ورغم بساطة السرد، نجد أن المليجي ينجح في بناء حبكة محكمة، تعكس حسًا إنسانيًا عميقًا في تصوير الشخصيات.
ولقد أبدع في تقديم خفايا النفس البشرية، ومشاعرها المخبأة، ورغباتها الروحية التي قد لا تظهر بوضوح في الحياة اليومية، ما يجعل القارئ يتفاعل مباشرة مع القصص، ويشعر بجزء من معاناة الشخصيات. وعبر هذه الشخصيات، يعكس المليجي حالة من البحث عن الأمان الروحي والحنو، وهي حاجة مشتركة بين البشر بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية والجغرافية.
مشهد من المجموعة… لقاء مع الرجل المصري المسن
إحدى القصص التي تبرز في المجموعة هي قصة الرجل المصري المسن الذي يظهر في مدينة كليفلاند الأمريكية. في أحد الأيام الباردة الممطرة في ولاية كنتاكي، يلتقي الراوي رجلًا مسنًا، يبدو عليه أنه من أصول مصرية. الرجل يرتدي زيًا تقليديًا مصريًا، ويلف رأسه بقبعة "كلبوش" وهو يعبر الشارع ببطء، مستغرقًا في أفكاره العميقة. هذا المشهد يبرز التباين بين ملامح الرجل التقليدية من جهة، وبيئة الحياة الغربية الحديثة من جهة أخرى. وفي محادثة عفوية مع الراوي، يعبر الرجل عن رغبته في العودة إلى مصر، في مشهد يفيض بالحنين إلى الوطن، ويدعو للتأمل في مدى تأثير الغربة على هوية الإنسان.
انسجام الروح والمكان
في النهاية، تبرز مجموعة "شجرة الصفصاف" كعمل أدبي يعكس التشابك بين الهوية، والغربة، والذاكرة الثقافية.
وينجح محمد المليجي في تقديم صور إنسانية صادقة تسلط الضوء على الصراع الداخلي للمهاجرين، وحاجتهم الدائمة للتواصل الروحي والإنساني.
كما أن المجموعة تكشف عن مدى قدرة الأدب على تجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، ليصل إلى جوهر الإنسان أينما كان.
