"الإدمان هو تاريخنا السرّي المكتوب بلغة رمزية نخفي فيه قصتنا مع علاقة مؤلمة" عبارة تستوقف العقل المحلل، نتقصى أبعادها على امتداد 404 صفحات ضمها كتاب "ممتلئ بالفراغ" للكاتب والطبيب المصري عماد رشاد عثمان، الذي استطاع أن يخاطب نسبة كبيرة جدًا من القرّاء، خاصة الشباب، من خلال بحثه المتعمق في حقيقة الإدمان بمختلف أنواعه، وتقديمه الأجوبة التي تمهد الطريق للخلاص.
وبينما نتوغل في الفصول التي استطاع أن يحررها من اللغة العلمية والتشريحية التي يتخوف منها القارئ عند مواجهة لغة الطب في كتاب يتناول واحدًا من الأمراض السلوكية الأكثر انتشارًا كما يبدو، ليقدم كتابه الذي حقق مبيعات مذهلة بلغة سلسة وإبداعية على نحو مثير للإعجاب.
يصنف الكتاب الذي تحدث عنه عدد كبير من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفه العديد منهم بأنه "الكتاب الذي يجب أن يقرأه الجميع ولو لمرة واحدة في حياتهم" ضمن لائحة كتب تطوير الذات والتنمية البشرية، وتكمن أهميته بأنه يتناول واحدة من أهم القضايا التي يعيشها أغلب الأشخاص في الوقت الحالي وهو الإدمان والمعاناة من السلوكيات القهرية.
يستعرض "رشاد" في كتابه أشكال الإدمان المختلفة التي يمكن أن يعاني منها الإنسان، كإدمان الشراء والأشخاص والإنترنت، ومدى التأثير السلبي لتلك الأمور على حياتنا، متمعنًا في تحليل السلوك القهري وآلية تشكله، مبينًا أنه قد يتشكل الإدمان السلوكي بدافع الهروب من المشاكل، أو قد يكون عبارة عن طريقة لتفريغ العقد النفسية المكبوتة.
كما يتحدث الكاتب عن حاجة المدمن للمساندة والدعم، موضحًا أن المشاكل التي يواجهها بسبب الإدمان الذي لديه أيًا كان نوعه، تسبب عائقًا يمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي، كما ينصح بالابتعاد عن لوم المدمن كونه يشعر بالذنب بالفعل ويعجز عن مساعدة نفسه.
بالطبع يستعرض الكاتب أعراض الإدمان بشكل مفصل، مؤكدًا أن الإدمان هو مرض عميق، وليس له علاقة بضعف الإرادة أو الأنانية أو الشهوانية التي ينعت بها المدمن عادة، وهو ينتج عن فقدان القدرة على إدارة المشاعر، فالمشاعر عبء ثقيل يحاول الإنسان إزاحته بالهروب نحو السلوك القهري كما يذكر، ويتطرق الكاتب في حديثه عن رحلة العلاج والتعافي إلى الانتكاسات الكثيرة التي يمر بها المريض خلال محاولات التحرر من الإدمان، وأشار إلى أهم السلوكيات التي يتبعها الأشخاص كمسكنات للحالة التي يمرون بها ومدى التأثير السلبي عليهم.
كما قام الكاتب بعرض مجموعة من الممارسات العملية الفعّالة التي يمكن أن تنقذ الأشخاص مصابي أحد مشكلات الإدمان أو السلوكيات القهرية، والتي من شأنها مشاعدتهم في التخلص من تلك المشكلة، في النهاية لعل القول إن المقولة التي يحملها الكتاب، والتي ساهمت - إلى حد كبير- في لفت انتباه ومشاعر الكثيرين، تعد أبلغ موجز قد يقدم عنه: "قد كنا ببساطة.. نهرب من أنفسنا. نستخدم الطعام، الإباحيات، الجنس، العلاقات، الشراء، والانغماس مع هواتفنا كمغيرات للحالة النفسية، كمسكنات لألم عميق قد لا نعي به.
نملأ بها فجوة داخلية تجذرت فينا مبكرًا، نضمد صدمة أحدثت شرخًا في اللغة لم نستطع مداواتها إلا بالتلهي عنها بسلوكٍ قهري.
كان الإدمان صرختنا البكماء، وتوجعنا المكتوم، وأنيننا الموؤود.
وهنا خريطة طريق للتوقف عن الفرار من ذواتنا".