في طبعة جديدة من "ديوان أبي الطيب المتنبي"، الذي صدر عن دار "بيت الحكمة" في القاهرة، يظهر الجهد الكبير للأديب والدبلوماسي المصري د. عبد الوهاب عزام (1894-1956) في تحقيق هذا العمل الكبير.
وقد سبق لعزام أن نشر العديد من الدراسات والأعمال المتعلقة بالشاعر، بما في ذلك كتابه الشهير «ذكرى أبي الطيب المتنبي بعد ألف عام».
على الرغم من كثرة التحقيقات التي أُجريت على ديوان المتنبي، إلا أن جهد د. عبد الوهاب عزام يأتي مميزًا، حيث جمع بين دقة العلم وفن التعبير الشعري، ليقدم للقارئ نسخة موثَّقة تسهل عليه فهم وتقدير أشعار المتنبي.
ويُعدُّ المتنبي واحدًا من أعظم شعراء العرب، إذ يجمع شعره بين الجمال والحكمة والعمق، وهو ما يجعل هذه الطبعة الجديدة من ديوانه مصدرًا قيّمًا لكل محبي الأدب العربي.
لقد كان المتنبي واعيًا تمامًا لإبداعه وقيمته، إذ أعلن أن شعره سيظل حيًا في عقول الناس إلى الأبد.
قصائده ملهمة، وجدت طريقها إلى حياتهم اليومية من خلال الأمثال المأثورة التي يرددها الناس دون أن يعلموا أنها من أشعار هذا الشاعر العظيم.
المتنبي، الذي كان يطمح دائمًا إلى الكمال، بدا وكأنه يتبنى "فلسفة القوة" التي لم تظهر بشكل جلي إلا في فترات لاحقة من التاريخ.
في مقدمته للديوان، يذكر د. عبد الوهاب عزام أن العالم العربي قد احتفى بمرور ألف عام على ميلاد المتنبي، حيث قرر أساتذة الأدب العربي في جامعة القاهرة إحياء هذه الذكرى عبر سلسلة محاضرات عامة عن تاريخ الشاعر وأدبه.
وقد كانت هذه المحاضرات نقطة انطلاق لمشروع عزام الذي اهتم بدراسة أشعار المتنبي منذ صباه، وكتب رسالة تناول فيها أخبار الشاعر وأشعاره، ثم واصل البحث في المخطوطات القيمة الموجودة في "دار الكتب المصرية".
في رحلة بحثه، سافر د. عزام إلى العراق، حيث عثر على نسخ قديمة من ديوان المتنبي، بما في ذلك النسخة التي تُعرف بـ"البغدادية".
كما ألقى محاضرة في دمشق عن المناسبة نفسها، مما ساعد في إثراء عمله. وعندما عاد إلى القاهرة، اقترح على قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة إخراج نسخة صحيحة وموثوقة من ديوان المتنبي تكون مرجعًا أساسيًا للباحثين وموثوقة للمدققين في رواياته. واستمر في هذا العمل الشاق لعدة سنوات.
يشير د. عزام إلى أن معظم قصائد المتنبي تركز على المدح والرثاء والهجاء، ولكن هذه المواضيع تتخللها أيضًا العديد من الأبيات التي تتناول الغزل، الوصف، والفخر.
الديوان يحتوي على نحو ثلاثين قصيدة وقطعة، نظمها المتنبي لنفسه، بعيدًا عن المدح أو الهجاء.
ويُقدِّم عزام في طبعة الديوان شروحات وافية حول الأحداث والظروف التي دفعت المتنبي لكتابة هذه القصائد.
من المميزات البارزة في هذه الطبعة الجديدة للديوان هي المقدمات التي تشرح الحوادث التي ألهمت الشاعر، حيث يُظن أن كثيرًا من هذه المقدمات كانت من إملاء المتنبي نفسه.
ويعتبر هذا التأريخ الدقيق للقصائد من أبرز خصائص الديوان، إذ لا يمكن أن يعرف تفاصيل تلك الحوادث سوى الشاعر نفسه، نظرًا لأنه لم يكن يصطحب راوية في أسفاره العديدة عبر الصحاري والبراري.