منير الشعراني

منير الشعراني يكشف سيرته الإبداعية في فنون الخط العربي

ثقافة
لينا الرواس
17 سبتمبر 2024,12:01 م

يعد الفنان السوري منير الشعراني، أحد أبرز فناني الجرافيك المتخصصين في الخط العربي. 

وفي حواره مع موقع "فوشيا"، يُشارك الشعراني تجاربه في تصميم الخطوط العربية والإبداعات الجرافيكية، كما يلقي الضوء على رؤيته الفنية حول فن الخط العربي ومسيرة تطوره وآفاقه المستقبلية في ظل العصر الرقمي. 

7e79b50d-77dd-4d4f-b72a-307b756e905e
  • ماذا تقول عن تجربتك مع أستاذك بدوي الديراني، وما أبرز الدروس التي تعلمتها من تلك الفترة المبكرة في حياتك الفنية؟

 

كانت تجربتي مع الأستاذ بدوي منتجة وغنيّة، فأنا لم أتعلم منه قواعد الخطّ العربي التقليديّة فحسب، بل تعلمت منه الكثير، وفي مقدمة ذلك أن القواعد ليست قيدًا، وإنما هي منطلقات للخطاط المبدع، يجب عليه هضمها وفقه جوهرها، بعمق يمكّنه من تطويرها والاشتقاق منها وتجاوزها دون التعدي على أسسها الهيكليّة والجماليّة.

كما تعلّمت منه أنّ الإتقان والدقّة أمران ضروريان، لمن يريد أنّ يكون خطاطًا متميّزًا، وأن طول النفس والصبر شرطان لتحقيق ذلك. كما تعلّمت منه، ومن خلال إنتاجه، أن الخطّ ليس مقدّسًا ومكرّسًا للأمور الدينية فحسب، بل إنه يتعامل مع كل الأمور دنيويّة كانت أم دينيّة، لكنّه فنّ علينا التعامل معه بجديّة، وليس بخفّة واستهتار.

  • تحدثت عن أهمية الصبر والدقة في تعلم فن الخط. كيف أثّرت هذه الصفات في أسلوبك الفني وإبداعك المستمر حتى اليوم؟

 

الصبر وطول النفس لازمان في كل الأمور، لكنهما أمران ضروريان للغاية في تعلم الخط، الذي يقتضي من التلميذ في البدايات النقل عن سطر لأستاذه مرات لا حصر لها، تتخللها مراجعة الأستاذ لكتابات التلميذ وتصحيح الأخطاء إلى أن تصبح جيّدة بشكل يسمح بالانتقال إلى ما بعدها، ثم يتكرر الأمر مع كلّ درس جديد.

ومن الطبيعي أن تحتاج الدروس الأولى في كلّ خطّ إلى وقت أطول قد يحسّ التلميذ خلاله بالملل، لكنّ التلميذ الجادّ والشغوف يدرك بالتدريج أهميّة ذلك، وأهميّة الدقّة في النقل عن الأستاذ، الأمر الذي يجب أن يتحقق في عمله لاحقًا، فالاستسهال والتسرّع والعجلة في العمل الخطيّ وعدم الدقّة في إنجازه تضعفه جماليًّا، وتقلل من قيمته الفنيّة.

وهذا من أوّل الأمور التي تعلمتها والتزمت بها في كل أعمالي، ليس فقط في مجال الخطّ واللوحة الخطّية، بل وفي عملي بالتصميم الغرافيكي مهما صغر العمل أم كبر، وهذا أمر لم أتخلَّ عنه أبدًا، وميّز أعمالي من حيث التصميم والتنفيذ.

  • ما الذي يجعل الخط العربي فنًّا قائمًا بذاته، وليس مجرد وسيلة للتعبير الكتابي؟

 

هناك الكثير من الخصائص الجماليّة والتشكيليّة في بنية الخطّ العربي الهيكليّة تجعل منه أحد الفنون التشكيلية بكل ما تعنيه الكلمة؛ لأنّه فنّ قام أساسًا على التجريد الذي مرّت به الكتابات الأخرى في مسيرة تطوّرها، لكنّها اقتصرت في ذلك على "التجميل" لتحقيق الوظيفة بشكل أفضل دون تطوير في البنية أو الهيكل بما يساعد على ارتقائها إلى مستوى الفنّ التشكيلي. 

وقد سخّر المبدعون في مسيرة الخطّ العربي خصائصه لتطويره بشكل متسارع ومتعدد الأوجه في مرحلة الصعود الحضاري، وفتحوا آفاق تطويره بصريًّا، والتصرّف في بنائه جماليًّا للمبدعين من الخطاطين في كلّ وقت.

وتكمن هذه الإمكانات في وجود الصواعد والنوازل بين حروفه، وتعدد أشكال كلّ منها واختلافها حسب موقعها في الكلمة وتبعًا لجماليّة اتصالها بغيرها، يضاف إلى ذلك الوصل والقطع، وإمكانيّة المدّ والرجع والتراكب والتداخل والبناء الأفقي والعمودي، والمرونة والتناغم بين الاستقامة والانحناء في أنواعه المختلفة، مع المحافظة على إمكانية القراءة، إضافة إلى نقاط الحروف وشكلها؛ مما يمنحها إضافة جماليّة إيقاعيّة، وغير ذلك من الميّزات التي تتقاطع وتتناسب وتلبي ضرورات التشكيل الفنّي بنائيًّا وبصريًّا وتشكيليًّا.

  • ما الذي جذبك لاستخدام الحرف العربي كمحور رئيس في أعمالك الفنية، وكيف استطعت إعادة صياغة القواعد التقليدية لفن الخط العربي بأسلوب معاصر؟

 

شغفي بالخطّ العربي ابتدأ منذ كنت في العاشرة من عمري، وكنت قد أحببت الرسم والقراءة منذ وقت سابق، وظل حبي لهما مترافقًا مع شغفي بالخط العربي، ونظرًا لغياب دروس الخطّ العربيّ في المدرسة بدأت بتعلم الخطّ عند الأستاذ بدوي.

ولم أكتفِ بتعلم الرسم ومبادئه في المدرسة، فدرسته مع الحفر والنحت في مركز أدهم إسماعيل بدمشق، ثمّ دخلت إلى كلّيّة الفنون الجميلة، وكنت أمارس الخطّ بشغف وأعمل به، فاخترت التخصص بالتصميم الغرافيكي؛ لأنني كنت أرى أن فيه مشتركات أكثر من غيره من الفنون مع الخطّ العربيّ.

وكانت أفكار التطوير في الخطّ العربي قد بدأت عندي، ودفعتني إلى التعمّق في تاريخه نظريًّا وبصريًّا، وتوصّلت إلى أنّ تطوّره تعطَّلَ بسبب التدهور الحضاري والعقليّة المحافظة والتقليديّة التي تسيّدت في بلداننا على مدى قرون، فقررت أن أعمل على التطوير والتجديد، واعتبرت ذلك هدفًا أساسيًّا لي.

قررت البدء بعرض أعمالي التشكيليّة القائمة على فنّ الخطّ وحده، وهنا كان معرضي الأوّل لتجربتي التي قدمتها فيه ووزعت كتيِّبًا صغيرًا كان أشبه ببيان طرحت فيه ملخصًا لرؤيتي ومبرراتي النظرية في ضرورة العمل على تطوير الخط العربي وتحديثه والإضافة إليه بصفته فنًّا تشكيليًّا مميّزًا، لكنني لم أقم بإعادة صياغة قواعد الخطوط التقليدية، بل بحثت عن أسسه الهيكلية عبر التحليل البصري للتطورات الجماليّة والإضافات والإبداعات التي مرّت بها مسيرته، وبنيت عليها في التطويرات والتحديثات. 

  • ذكرت في مقابلات سابقة أنك تأثرت بالموروث العربي الشعري، مثل أشعار المتنبي وأقوال ابن عربي. لمَ اخترت هذه المواد التاريخية؟

 

ما وظفته من الموروث العربي في أعمالي، اخترته بناءً على نقاط لا تقوم على جمالياتها في مقاييس التقييم النقدي الأدبيّ والشعريّ، ولا لأنّ كلماتها مِطواعة للتشكيل الخطّي، بل اخترتها لأن كلًّا منها يحمل قيمة تتلاقى مع قيمي من الناحية الإنسانيّة أو الفكريّة أو الاجتماعيّة، بتلخيص بلاغي جميل ومكثّف، ينسجم مع رؤيتي للمسائل التي ما تزال مطروحة في عصرنا.

كما وجدت أن الموروث العربي غنيّ في هذا أكثر من أدبنا الحديث الذي يزداد جنوحه إلى الذاتية وافتقاره إلى البلاغة، إلا إذا استثنينا بعض عطاء الأدباء والشعراء المعاصرين والشباب الذين اخترت من بعضهم مقولات شكّلتها في أعمالي الخطّيّة.

لقد ارتبط اختياري للعبارات برؤيتي الفكريّة والاجتماعية، وكل ما يمسّ الإنسان، ويحضّه على التفكير، بعيدًا عن الغيبيات التي اعتاد الخطاطون تضمينها في لوحاتهم وتكرارها وتقليدها.

لقد بحثت دومًا عن العبارة التي تلتقي معي بغض النظر عن مصدرها، سواءً أكان الإنجيل أو القرآن أو الكتابات الصوفيّة أو الأدب والشعر أو أقوال بعض المفكّرين، مع بعض العبارات التي كتبتها بنفسي.

  • كيف تختلف ممارساتك عن توظيف الحروفيين للخط في أعمالهم؟

 

يقوم عملي على قناعتي بأن الخط العربي فن قائم بذاته، له خصوصياته الجمالية التي تلتقي مع الأسس العامة للفنون، وأن اللوحة الخطية ليست بحاجة إلى الاتكاء على فنٍّ آخر لتحقيق جماليتها، ولا تضيف الاستعارة من الفنون الأخرى قيمة إليها، بل لعلها تشوش على خصوصيتها الجماليّة؛ لذلك فأنا أعتمد على الخطّ كعنصر وحيد في عملي الفني.

واعتمدتُ التجديد في كلّ شيء، بدأً من الحروف والكلمات وتطويعها للتكوين والبناء الفنّي، والعمل على التوزيع الإيقاعي للنقاط، وضبط الفراغات البينية بما ينسجم مع كتل الحروف، والعلاقة بين الكتلة العامة والفراغ في العمل ككل؛ ولا علاقة لعملي جملة وتفصيلًا بطرائق عمل من تُطلَق عليهم تسمية الحروفيين، والذين لا تجمعهم طريقة واحدة في توظيف الحرف. 

أما الحروفيين من الخطاطين اليوم، فمعظمهم للأسف يتشابهون في خطّ حروف ملوّنة على لوحاتهم بخط تقليدي دون أي اهتمام بتحديث الخطّ أو بتشكيل اللوحة وبنائها، وكأن وجود اللون في الحروف الموزعة عشوائيًّا على اللوحة يكسبها حداثة وقيمة تشكيلية.

  • هل تتبع أسلوبًا محددًا في مزج فن الخط العربي مع التيارات الفنية الحديثة، مثل "البوب آرت"؟

 

يقوم عملي على روح الفن والخط العربي الذي استفادت من عطائه اتجاهات فنية حديثة، كما هو الحال في الفنون البصرية التي تعود أقدم تجلياتها الباقية إلى العصر الأموي، كالأعمال الفنية المنفذة بالفسيفساء في قصير عمرة (قصر هشام)، والتي تعد أمثلة واضحة لوجود الفنّ البصري بشكل واضح في الحضارة العربية، بالإضافة إلى الكثير من الأعمال الزخرفيّة المنفّذة بالزليج والحجر في الأندلس والمغرب والشرق الإسلامي.

وهناك الكثير مما لا نعرفه بسبب استبعاد الفن العربي عن تاريخ الفنّ العام بحجّة أنه فنّ مرتبط بالدين الإسلامي، في تجاهل واضح لارتباط الفن الغربي حتى الماضي القريب بالكنيسة في أوروبا. لذلك؛ أرى أن وجود ما يوحي بالفنّ البصري في بعض أعمالي ليس نتيجة إلا لهضمي للموروث الفني الذي امتازت به الفنون العربية.

  • كيف ترى مستقبل الخط العربي في ظل التحولات الرقمية الحالية؟

 

العمل الإبداعي في الخط العربي أو غيره من الفنون أمر منفصل ومختلف عن تفاعله مع التحولات الرقمية أو غير الرقمية الحديثة. 

هذا التفاعل يحمل الكثير من الإيجابية، ويثبت مرونة الخطّ العربي ومقدرته على التلاؤم مع المستجدات؛ لأن الرقمنة في استخدامات معيّنة تقوم على تزويد البرامج بما يمكنها من تحقيق ذلك بأشكال نمطيّة تبعًا لبرمجتها.

أما العمل الإبداعي، فهو يقوم على أفكار ومعالجات غير مسبوقة، دون استخدام أو خلط وتوليف لما سبق إبداعه؛ لذا أرى مستقبل الخط العربي مرتبطًا بجهود وعطاء المبدعين فيه، بعيدًا عن التحوّلات التكنولوجية والرقمية التي قد تتعامل مع جوانب تطبيقية منه لا أكثر.

أخبار ذات صلة

نورا ناجي: متشوقة لرؤية صابرين في "بنات الباشا"

 

google-banner
foochia-logo