توفي قبل أيام الفنان الأمريكي كارل أندريه، عن عمر يناهز 88 عاما، الذي اشتهر بالمواد المستخدمة في أعماله، مثل الطوب أو مربعات المغنيسيوم التي كان يضعها في تسلسل بسيط، مستغنياً عن تعقيدات الخيال والأوهام، وعن فكرة تحويل المادة الأساسية إلى شيء آخر.
وكان ما حصل عليه الجمهور البريطاني في عام 1972 صادماً لشدة بساطته، عندما اشترى متحف "تيت" عمل أندريه "تساوي 8"، وهو عبارة عن ترتيب أفقي مستطيل مكون من 120 قطعة من الطوب على الأرض، والذي أثار استياء الجمهور حينها بشدة، بفعل عدم فهمهم القيمة التي يمثلها هذا العمل الذي ينتمي إلى الفن ما بعد الحداثوي.
ظلال موت آنا منديتا
وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، في ملخص يستعرض حياة الفنان الراحل، أن السبعينيات كانت وقتًا رائعاً مشحوناً بالنجاحات بالنسبة لـ أندريه، لكن كل شيء تغير بعد ليلة في شهر سبتمبر 1985، عندما كان أندريه وزوجته الثالثة، الفنانة آنا مينديتا، بمفردهما في شقتهما بالطابق 34 في قرية غرينتش، نيويورك، وسقطت من النافذة، ما أدى إلى وفاتها.
تمت محاكمة أندريه بتهمة القتل من الدرجة الثانية، ولكن بعد محاكمة رفيعة المستوى في عام 1988، قرر فيها عدم الإدلاء بشهادته والتخلي عن حقه أمام هيئة المحلفين، وجد القاضي مجالًا للشك المعقول وبرّأه. وقال أندريه لدى مغادرته المحكمة: "لقد تحققت العدالة"، وحضر بهدوء لافتتاحه التالي وبدأت سمعته وسوق أعماله في الانتعاش، لكنه لم يتمكن أبدًا من الهروب من ظل وفاة منديتا، فقد كان يظهر باستمرار حتى السنوات الأخيرة في حياته، حيث بقيت القصة ملتصقة في ذاكرة المحتجين والمنظمات النسوية ومحبي منديتا أيضاً.
شجاعة ألا تغير شيئاً!
"التقليلية"هو المصطلح الذي ينطبق عادة على أعمال أندريه، ويسطّح الفروقات بينه وبين معاصريه مثل دونالد جود، وروبرت موريس، ودان فلافين، إلا أنه فضّلها على المفاهيمية، التي رفضها تمامًا. قال: كنت أحارب دائمًا صعود الفن المفاهيمي، فالفكرة في الرأس ليست عملاً فنياً. إن العمل الفني موجود في العالم، وهو حقيقة ملموسة.
منذ الستينيات، عمل كل هؤلاء الفنانين في وحدات بسيطة وقاموا بتجريد بعضها من العناصر غير الضرورية أكثر من غيرها، لكن أندريه قام فقط بتجميع العناصر الجاهزة في تسلسل معين، ما جعل المفكرين والنقاد يجادلون بقيمة أعماله، حتى قيل عنه إنه قلل من عمله إلى درجة عدم التعبير وانعدام الخيال، إذ يمكن أن يكون ماديًا فقط ولم يعد من الممكن تسميته بالفن.
حياة كارل أندريه
وُلِد كارل أندريه في كوينسي، ماساتشوستس، وأنهى تعليمه في أكاديمية فيليبس، أندوفر، ثم حصل على منحة دراسية في كلية كينيون بولاية أوهايو، حيث درس الشعر، لكنه طُرد بعد شهرين.
بعد الخدمة الوطنية، انتقل إلى نيويورك عام 1957 بهدف أن يصبح فنانًا. عمل في البداية كمساعد تحرير في إحدى دور النشر، ومن عام 1960 إلى عام 1964، عندما كان يعمل فنانا ولكن لم يكن يجني الكثير من المال بعد، اشتغل عامل فرامل في سكة حديد بنسلفانيا.
التقى في نيويورك الرسام التجريدي فرانك ستيلا، عرض عليه ستيلا مساحة في الاستوديو الخاص به. كان أندريه يعمل هناك ذات يوم، وهو ينحت في كتلة كبيرة من الخشب، عندما ضرب ستيلا الجانب غير المنحوت وقال: "هذا نحت أيضًا". وقال أندريه إن رد فعله الأولي كان الاستياء، لكن ملاحظة ستيلا غيّرت حياته.
كان أول عرض جماعي له في متحف نهر هدسون في يونكرز، عام 1964، تلاه معرض فردي في معرض تيبور دي ناجي. في عام 1969 أصبح عضوًا مؤسسًا، إلى جانب فنانين مثل تاكيس وهانز هاكي، في تحالف عمال الفن، الذي قرر أن يتحمل الفنانون المزيد من المسؤولية الاجتماعية والسياسية.
في عام 1970، حصل أندريه على معرض استعادي كبير في متحف غوغنهايم. هناك، في الطابق الأرضي، وضع 37 قطعة من العمل، هي: مربع ضخم من الألواح المعدنية المصنوعة من ستة مواد (الألومنيوم، الفولاذ، النحاس، الزنك، الرصاص، المغنيسيوم) التي ملأت الردهة بحضورها، وتحدى تصورات الزوار المسبقة عن الفن البسيط.