"إننا جميعاً نفيض شوقاً وحنيناً إلى الحياة الوحشية، بيد أن ترياق الحضارة لا يترك لهذا الحنين منفذاً، إلا في أقل القليل. تعلمنا أن نشعر بالخجل من مثل هذه الرغبة، تركنا شعرنا يسترسل ووارينا به مشاعرنا".
إنها البداية التي مهدت من خلالها الكاتبة الأمريكية كلاريسا بنكولا إيستيس لمشروعها الذي اعتبر مرجعا للكثير من المؤلفات، والفنانات، والنساء المتمردات على النموذج الضيق الهادف لتأطيرهنَّ حول العالم.
إن قراءة هذا الكتاب تبدو أشبه بتتبع الأثر للوصول إلى مصدر القوة الأنثوية بمعناها المجرد، حيث تتنقل الكاتبة بين الحكايات والتراث الشعبي الذي اتخذت منه مادة خام للبحث والتحليل النفسي، بينما تحاول فك رموز الشيفرة مجسدة فكرة سعي المرأة للتصالح مع ذاتها الوحشية، تلك التي تدفعنا للتقدم، وتبدو أشبه بالروح الحارسة التي تعتني بنا، وتدفعنا للقيام بالمغامرات والتحديات وصولاً إلى الإنجازات التي نريدها.
ومن "الغناء فوق العظام" تتوالى الحكايات، وتنقلنا بنكولا لنغوص معها بفضول يرافق حالة النشوة الغريبة التي تتسرب في خلايا العقل، بينما يتفلت من حدود واقعه المحدود ليستغرق في جولاته بين رائحة التراب، وحكمة الجدات التي ورثناها من دون إدراك منا عبر التاريخ أجيالاً تلو أخرى، إنها سيمفونية نسوية من نوع خاص، تكشف بصيرة المرأة لتعي المعنى الحقيقي والمتوازن لعلاقتها بذاتها أولاً، ذاتها الممتدة عبر العصور وقدراتها التراكمية عبر هذه الذات، وعلاقتها الحرة والقوية بالرجل، وبكل ما يحيط بها ثانياً.
وتعتبر ميثولوجيا الشعوب مصدر القصص التقليدية والعالمية التي يحملها الكتاب، بينما نكتشف مع كل قصة جانبا جديدا في التكوين النفسي للمرأة، مثل قصة "بلوبيرد" و "الحذاء الأحمر" و "العذراء بلا يدين".
يُذكر أن كتاب الدكتورة كلاريسا بنكولا، الواقع في 603 صفحات، وُصِف بأنه "المعجم السيكولوجي للأنوثة الغزيرة والمبتهجة والمتفردة"، كونها تستدعي فيه الطبيعة الوحشية للحياة، وتسترجع المناطق المنسية والمهملة في النفس الأنثوية الحقيقية، وقد صدر للمرة الأولى عام 1991، وتُرْجِم إلى العربية على يد مصطفى محمود محمد عام 2002.
