لكل قارئ حكاية مع الكتاب تبدأ غالباً بلحظة خاصة، ربما كلمة، ربما موقف، أو ربما شرارة أولى في ركن هادئ من الطفولة.
وللكتاب مكانته التي لا تضاهى في تشكيل الوعي، ونسج الخيال، وتهذيب الروح؛ في هذه السطور، تشاركنا الكاتبة والباحثة مريم المصري تجربتها الشخصية مع القراءة والكتاب، بلغة دافئة تنقلنا إلى عوالم الشغف والدهشة.
بدأت علاقتي بالكتاب في وقت مبكر، وتحديداً منذ أيام المدرسة؛ إذ كان تفوّقي الدراسي، آنذاك، الشرارة الأولى التي أشعلت داخلي حب القراءة. ومنذ ذلك الحين، لم تنطفئ جذوة الشغف بالحرف.
أقرأ اليوم مزيجاً متنوعاً من الروايات وكتب التخصص العلمي، فالتوازن بين الخيال والمعرفة يُرضي فضولي، ويُغذي روحي.
كاتبي المفضل ليس بعيداً عن مساري العلمي، بل هو أستاذي ومشرف رسالتي الدكتور عمر عتيق، الذي ترك بصمة فكرية واضحة في رحلتي المعرفية، وكان له دور كبير في كتابي الأول: "جماليات الفن التشكيلي في الخطاب الأدبي"، الذي شرُفت بإشرافه عليه.
أقرأ عندما يزورني الشغف. لا ألتزم بوقت محدد، بل أترك نفسي تنجذب نحو الكتاب حين أكون مهيأة لاستقباله.
أقرأ عندما يزورني الحنين إلى الكلمة، حين تطرق القراءة باب قلبي لا عقلي. أترك لروحي حرية اختيار الوقت، حين تكون مستعدة لاستقبال الحرف والذوبان فيه.
نعم، للقراءة لدي طقوس صغيرة، لكنها عزيزة على قلبي: كوب من النسكافيه، وقطعة من الشوكولاتة، وهدوء يشبه السلام… يشبه حالة تصالح مع الكون. تلك اللحظات تشبه صلاةً صامتة أمارسها على إيقاع الورق.
تجذبني الكتب التي تتناول لغة الجسد، الدلالة، الألوان، وعلم النفس، فهي تلامس خيوطاً خفية في الوعي، وتفتح أبواباً للتأمل في النفس والآخرين.
لكلٍّ طعمه، لكن الورقي يبقى الأقرب إلى قلبي؛ له لذة لا تُقاوَم. ملمسه، رائحته، وحتى صوت تقليب صفحاته يربطني بزمنٍ عتيقٍ جميل. أما الإلكتروني، فأراه خياراً سريعاً وقت الحاجة.