في كل زاوية من عالم الفن، هناك أسماء تُخلّد في الذاكرة، لكن قليلا من هؤلاء استطاعوا أن ينحتوا لأنفسهم مكانا فريدا في تاريخ السينما المصرية.
هشام سليم، الذي وُلد في 27 يناير 1958، هو واحد من هؤلاء النجوم الذين تجاوزوا ظلال الألقاب العائلية ليخلقوا بصمة لا تُمحى في عالم الفن. رغم أن اسمه ارتبط بالأسطورة الرياضية صالح سليم، إلا أن هشام رسم لنفسه طريقا خاصا بعيدا عن الموروثات، فكان فنانا موهوبا، طيب القلب، وصاحب حضور لا يُنسى.
وُلد هشام سليم في القاهرة، ليصبح أحد أبرز وأحب الأسماء في تاريخ الفن المصري. ابن أسطورة الرياضة صالح سليم، ولكن بشخصية فنية مستقلة، استطاع هشام أن ينحت اسمه في عالم التمثيل، متحديا المقارنات مع إرث والده الرياضي، ورغم رحيله عن عالمنا في 22 سبتمبر 2022، إلا أنه سيظل حاضرا في الذاكرة الفنية بأعماله التي خلّدها على مدار مسيرة طويلة حافلة بالنجاح.
أصبح هشام سليم جزءا من تاريخ السينما المصرية منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره، حيث كانت بدايته في فيلم "إمبراطورية ميم" عام 1972، أمام النجمة الكبيرة فاتن حمامة.
لم يكن مجرد ظهور عابر، بل بداية لموهبة لامعة في سماء الفن. ومن ثم تتابعت نجاحاته، ليقف مجددا أمام فاتن حمامة في فيلم "أريد حلا" عام 1975، وهو العمل الذي ساهم في إحداث تغييرات مهمة في قوانين الأحوال الشخصية في مصر.
وفي تجربته السينمائية الثالثة، أصبح أحد أبطال فيلم "عودة الابن الضال"، الذي أخرجه المخرج الكبير يوسف شاهين، ليضعه في مكانة مميزة بين نجوم الفن في مصر والعالم العربي. ثم قدم العديد من الأعمال التي رسخت اسمه في قلوب الجمهور، مثل "ليالي الحلمية" و"أرابيسك"، ليكمل مشواره بأدوار تميزت بالتنوع والعمق في الأداء.
عاش هشام سليم العديد من الجدل بسبب كونه ابن صالح سليم، لكن ذلك لم يكن عائقا أمامه. بل على العكس، تعامل مع هذه المقارنات بشكل احترافي، ليُثبت جدارته أمام كبار النجوم.
وعندما انتقده البعض قائلين إن اختياره في فيلم "الأراجوز" كان بسبب علاقاته العائلية، كانت إجابته قاطعة: إذا لم أكن أثبت نفسي في هذه الأعمال، فحينها سيكون لديكم الحق في النقد.
مسيرة هشام سليم كانت مليئة بالإنجازات والتحديات؛ إذ اجتهد في تقديم أدوار متعددة الطبقات؛ ما جعله أحد أكثر الفنانين تطورا في مصر.
ورفض أن يُلقب بـ "نجم التسعينيات"، مُفضلا لقب "ممثل التسعينيات"، مشيرا إلى أنه لا يسعى للشهرة بقدر سعيه لإرضاء جمهوره من خلال تقديم أدوار تُرضي طموحه الفني. ورغم كل النجاحات، كان يُفضل الحفاظ على تواضعه، حيث كان يضع العمل الفني دائما في الصدارة.
في محطات حياته الأخيرة، أعلن هشام سليم عن إصابته بسرطان الرئة، ولكنها لم تكن النهاية بالنسبة له، بل بداية لفصل آخر من القوة والإيمان. مثل والده، الذي توفي عام 1998 بعد صراع مع سرطان الكبد، قابل هشام سليم مرضه بروح قوية، وأظهر شجاعة ملهمة، مؤكدا أن الفن لا يتوقف في وجه أي تحد.
وقبل وفاته تنبأ بموعد رحيله بحسب ما أشارت إليه الفنانة نهال عنبر والتي أكدت أن هشام تنبأ بموعد وفاته، قائلا لأسرته إنه سيرحل في 22 سبتمبر، وهو ما حدث فعلا، ليغادرنا عن عمر 64 عاما، لكن أعماله ومواقفه ستظل خالدة.
في مقابلة نادرة مع الإعلامية منى الحسيني في برنامجها الشهير "حوار صريح جدا" في التسعينيات، سألته عن كيفية استخدام جائزة مالية لو حصل عليها. فأجاب هشام سليم بكل تواضع: سأهديها لمعهد السرطان، لأن هذا المرض الخبيث يتطلب علاجا طويلا ومكلفا للغاية. وأعتقد أن هذه الجائزة ستكون مفيدة إذا تم تخصيصها لدعم المعهد، ومساعدة المرضى في رحلتهم العلاجية.