في العلاقات الإنسانية، المحافظة على القرب والثقة بين الأفراد ليست أمراً سهلاً. ففي حين يتطلب الأمر الكثير من التفهم والتواصل، يتعين على كل فرد أيضاً أن يحمي نفسه من التلاعب أو الاستغلال. ويُعتبر الذكاء العاطفي من الأدوات الفعالة لتحقيق هذا التوازن.
نقدم لك في هذا الموضوع ثلاث تقنيات جوهرية لتقوية العلاقات بشكل صحي دون التنازل عن الذات أو الوقوع في فخ الاعتماد المفرط على الآخرين.
يُعد التعاطف أساساً مهماً لتعزيز العلاقة، فهو يُشعر الطرف الآخر بأنه مسموع ومفهوم. ولكن، من المهم ألا يتحول هذا التعاطف إلى دعم مفرط يسبب اعتمادية غير صحية. فالتعاطف هنا يعني فهم مشاعر الآخرين ومواساتهم، دون تقديم حلول لهم بشكل متكرر. على سبيل المثال، إذا عاد صديقك إلى المكتب بعد تلقيه انتقاداً من مديره وشعر بالخذلان، يمكنك ببساطة إبداء تعاطفك بالقول: "يبدو أنك تشعر بخيبة أمل، وهذا طبيعي"، هنا أظهرت تعاطفك، دون أن تعده بإصلاح الموقف أو أداء مهامه.
تكمن خطورة تقديم الدعم المفرط في أنه يخلق اعتماداً مفرطاً للطرف الآخر، حيث يشعر بعدم القدرة على حل مشكلاته بنفسه، بينما يستنزف ذلك طاقة المتعاطف بشكل دائم. لذا؛ من الأفضل تقديم الدعم العاطفي من دون تحويله إلى تدخل مباشر في حل المشكلات.
في بعض الأحيان، قد نجد أنفسنا في علاقات يتطلب فيها الأمر الدفاع عن أنفسنا. التعبير عن مشاعرنا بطريقة هادئة وواقعية يمكن أن يساعد في بناء فهم متبادل. وفي حال لم يستجب الطرف الآخر بشكل إيجابي، علينا تقبل ذلك والتفكير في وسائل أخرى لتحقيق ما نحتاجه بدلاً من التورط في صراع غير مفيد.
فعلى سبيل المثال، إذا شعرت بأنك تعاملت بظلم من قبل شخص معين، يمكنك مواجهة الأمر بوضوح، ولكن من دون إشعال النزاع. يمكنك أن تعبر عن موقفك وتوضح مشاعرك، ثم تراقب رد فعله. إذا لم يتحسن الوضع، يمكنك الابتعاد والتركيز على تحسين وضعك بعيداً عن النزاع.
التفاهم لا يعني تقديم التنازلات بلا حدود. قد تكون في علاقة مع شخص تختلف معه في بعض الآراء، إلا أن ذلك لا يعني أن تضطر للاتفاق معه أو تقديم تنازلات تتعارض مع قناعاتك. الفهم العاطفي يعني الإصغاء لموقف الطرف الآخر ومحاولة تقدير وجهة نظره، دون المساس بحدودك الشخصية.
على سبيل المثال، إذا كنت مع صديق يرغب في البقاء في مكان معين لفترة أطول بينما تفضل المغادرة، يمكنك ببساطة التعبير عن تقديرك لرغبته، ولكن مع التمسك بقرارك. يمكنك القول: "أفهم تماماً أنك تستمتع بوقتك هنا، ولكنني لا أستطيع البقاء لفترة أطول." هذه الطريقة تُظهر الاحترام للرغبات دون التضحية بمساحتك الشخصية.
في النهاية، تبقى العلاقات المتينة والصحية قائمة على أساسات من الذكاء العاطفي، حيث تُصبح مهارات مثل التعاطف، والقدرة على فهم مشاعر الآخر، واحترام الحدود الشخصية عوامل حاسمة للحفاظ على توازن العلاقات وجودتها. عندما نمارس الذكاء العاطفي، نحقق تواصلاً أعمق، ونحمي أنفسنا من التوتر والتلاعب، ونعزز شعورنا بالاحترام المتبادل. فببساطة، الذكاء العاطفي ليس مجرد أداة للتعامل مع الآخرين، بل هو ركيزة أساسية تمنح علاقاتنا بعدًا من الثقة والتفاهم والنضج.