في عالم العلاقات العاطفية المعاصر، أصبحت ظاهرة "Ghosting" أو "الاختفاء المفاجئ" سلوكًا شائعًا، حيث يقطع الشريك فجأةً كل وسائل التواصل دون سابق إنذار أو تفسير، تاركًا الطرف الآخر في دوامة من التساؤلات والألم.
فماذا يعني هذا السلوك؟ وما أسبابه؟
الاختفاء المفاجئ هو ظاهرة نفسية تحدث حين يختفي الشخص الذي كان يشغل حيزًا كبيرًا في حياة شريكه، دون ترك أثر واضح أو تفسير منطقي، وكأنه شبح يختفي في الظلام.
يُعدّ هذا التصرف شكلًا من أشكال العدوان السلبي، حيث يختار الشخص الانسحاب بهدوء بدلًا من المواجهة الصريحة والمباشرة، وهو ما يترك الطرف الآخر يشعر بالتخلي والحيرة.
تشير الخبيرة النفسية الاجتماعية لورا سيلفرستين إلى أن الدافع الرئيسي لهذا السلوك غالبًا ما يكون الهروب من المواجهة. فالتعبير عن مشاعر عدم الرضا أو الانفصال يتطلب مواجهة صعبة يتجنبها الكثيرون، حيث يجدون في الاختفاء وسيلة أسهل للتخلص من العلاقة دون التعامل مع الألم المتبادل. وقد يبدأ الأمر بمحاولة تفادي الحديث المباشر، ثم يتحول تدريجيًا إلى نمط من الانقطاع الكامل.
توضح سيلفرستين أن التعافي من تجربة الـ"Ghosting" يتطلب التركيز على العناية بالذات أولًا. فالشعور بالألم والإحباط الناتج عن هذا الفراق الغامض يمكن أن يكون قاسيًا، لذا من الضروري أن يتذكر المرء أن هذا السلوك لا يعكس قيمته الشخصية، بل يتعلق بأسباب خاصة بالطرف الآخر.
وللتعامل مع هذا الشعور، يمكن اتباع بعض الخطوات:
الانفتاح على الأصدقاء أو أفراد العائلة الموثوقين أو حتى المعالجين النفسيين يمكن أن يخفف من وطأة الألم، حيث يُساعد التواصل مع من يحبونك على تأكيد قيمتك العاطفية وتجاوز هذا الألم.
التركيز على الأنشطة التي تغذي الصحة النفسية والجسدية كالمشي، وممارسة التأمل، أو الانخراط في هوايات محببة، يساعد على إعادة الشعور بالتوازن والاستقرار.
قد تكون الرغبة في مراقبة حسابات الشخص على وسائل التواصل مغرية، لكن التركيز على الذات وعلى المشاعر الخاصة يكون أكثر فائدة. الاعتراف بمشاعر الحزن أو الغضب أو حتى الأسى يمكن أن يكون بدايةً للشفاء والنمو.
توضح سيلفرستين أن كثيرين يلجأون إلى هذا السلوك هربًا من المواجهة، فالتحدث بصراحة عن مشاعر سلبية أو الرغبة في الانفصال أمر شاق. لكن من المهم أن يدرك الفرد أنه بالتهرب من هذه المواجهات، يفوّت فرصة الوصول إلى قمة من النضج العاطفي والتفاهم. فالحديث الصريح، وإن كان صعبًا، يتيح للطرفين إنهاء العلاقة بشفافية وتقدير الوقت الذي أمضوه معًا.
إذا وجدت نفسك تميل إلى هذا السلوك، فربما قد حان الوقت لمراجعة بعض الخطوات العملية، مثل تعلم مهارات التواصل العاطفي، والقدرة على التحدث بشفافية ودون تحامل، بما يساعد على بناء علاقات صحية وأقوى في المستقبل.
تعتبر استعادة الثقة بعد المرور بتجربة الـ"Ghosting" أمرًا شاقًا، لكنه ممكن. فالتعافي يعتمد على ممارسة الصبر والشفقة تجاه الذات. وتؤكد سيلفرستين على ضرورة التعامل بصدق مع التجربة، حيث يمكن لهذه اللحظات الصعبة أن تكون فرصًا للنمو وتعلم المهارات اللازمة لبناء علاقات أكثر وضوحًا وعمقًا في المستقبل.
فبغض النظر عما إذا كنت قد مررت بهذه التجربة أو قد مارستها من قبل، فإن التركيز على تحسين التواصل العاطفي واحترام العلاقات يمكن أن يقودك إلى تجارب أكثر استقرارًا وإيجابية.