تسعى الكثير من العلاقات للبحث عن توازن بين الشراكة والاحترام المتبادل، إلا أن بعض الأشخاص قد يجدون أنفسهم يميلون إلى ممارسة سلوكيات تحكمية مفرطة تجعل من الصعب عليهم التواصل بشكل صحي مع شركائهم.
ورغم أن القدرة على ضبط النفس والسيطرة على الأمور قد تكون مفيدة أحيانًا، إلا أن التمسك الشديد بذلك قد يُلحق الضرر بالعلاقة، ويدفع الطرف الآخر للشعور بالاستياء أو الضيق، وربما الرغبة في الانفصال.
عادةً ما تتصف الشخصية التحكمية بعدة سمات، منها التفكير في الأمور بشكل مطلق، حيث يرى الشخص أن الأمور إما صحيحة تمامًا أو خاطئة تمامًا دون مرونة، مما يجعله يضع معايير صعبة لكل شيء من حوله.
كما يميل الشخص التحكمي إلى وضع توقعات معينة حول كيفية تصرف الآخرين، وقد يُبالغ في التدقيق في التفاصيل والقلق حول إنجاز الأمور "بشكل مثالي".
يمكن أن تكون هذه السمات مؤشرًا على وجود ميل تحكمي مفرط. ورغم أن هذه التصرفات لا تعني بالضرورة أن الشخص "متحكم" طوال الوقت، إلا أنها قد تتسبب بمشكلات في العلاقة، حيث يشعر الطرف الآخر بالضغط وكأن عليه تلبية هذه التوقعات العالية طوال الوقت.
تظهر السلوكيات التحكمية الزائدة في الحياة اليومية عبر عدة مواقف، فقد يجد الشريك ذو الطابع التحكمّي نفسه ينتقد أبسط التصرفات من شريكه، كترتيب الأطباق في غسالة الصحون، أو أسلوب الطهي، وغيرها من التفاصيل الصغيرة.
بالنسبة للشخص التحكمّي، قد يبدو هذا أمرًا ضروريًا لتحقيق "النظام المثالي" في الحياة المنزلية، لكن بالنسبة للطرف الآخر، يمكن أن يشعر بأنه غير مرغوب فيه أو أنه لا يستطيع فعل الأمور بطريقة "صحيحة".
على سبيل المثال، إذا كان أحد الشركاء يتابع عمل الآخر عن كثب أثناء إعداد وجبة الطعام، ويُعطيه تعليمات حول طريقة الطهي أو التوابل، فقد يشعر الشريك المتلقي بأنه مقيد ويُنتقد بشكل غير عادل. يمكن أن تؤدي هذه الديناميكية إلى تراكم الاستياء المتبادل وتضعف من أساس العلاقة.
لتجاوز هذا النمط من السلوكيات والحفاظ على علاقة صحية، من المهم أن يسعى الشخص التحكمّي إلى الهدوء والتروي قبل التصرف.
يمكن القيام بتمارين استرخاء بسيطة مثل التنفس العميق أو ممارسة بعض تمارين التأمل للحد من الشعور بالقلق والتحكم الزائد.
كما ينصح الخبراء بممارسة "التواصل المباشر" بدون توجيه النقد. ينبغي على الشخص التحكمّي التعبير عن مشاعره بصراحة، لكن دون إلقاء اللوم أو إصدار الأحكام. وبدلاً من التطرق إلى ما "لا يعجبه"، يمكنه طلب احتياجاته بطريقة إيجابية، والاستماع بجدية لرأي شريكه عندما يُعبر عن مشاعره.
من المفيد أيضًا أن يسأل الشخص نفسه: "هل أعتقد أن طريقتي هي الوحيدة الصحيحة؟" أو "هل أستطيع قبول أن هناك طرقًا أخرى قد تكون ناجحة أيضًا؟". هذه الأسئلة تساعد في تقليل التمسك بالأفكار المطلقة، وتفتح المجال للمرونة.
الخطوة الأهم هي أن يعترف الشخص بوجود هذه السلوكيات ويتحمل مسؤولية تعديلها. يمكن أن يُصارح شريكه بميله للتحكم، ويؤكد له التزامه بالعمل على التغيير من أجل تحسين العلاقة. هذه المصارحة تُظهر لشريك الحياة التقدير والاحترام وتخلق فرصة لبناء علاقة أقوى وأكثر تماسكًا.
في النهاية، فإن تجاوز التحكم الزائد يتطلب فهم الأهداف الحقيقية لكل تفاعل مع الشريك. هل الأهم هو ترتيب الأطباق في غسالة الصحون بالطريقة "الصحيحة" أم هو إظهار التقدير والاحترام للشريك؟
إدراك مثل هذه الأولويات يساعد في تحقيق توازن صحي بين الرغبة في النظام واحترام خصوصية الشريك، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقوية العلاقة وجعلها أكثر انسجامًا وسعادة.
إذا شعرت بأن سلوكياتك التحكمية تؤثر سلبًا على علاقتك، فهناك خطوات يمكن اتخاذها لإحداث تغيير إيجابي. من خلال التحلي بالمرونة، والقدرة على التواصل بشكل إيجابي، والاعتراف بمسؤولية تلك التصرفات، يمكن للشخص بناء علاقات صحية ومزدهرة مبنية على الاحترام المتبادل والفهم العميق لاحتياجات الطرفين.