مرهق جدًا أن تقنع فضولك بالتوقف بينما تتجول بين صالات العرض الـ 90 بالإضافة إلى المعارض الأخرى في معرض "فن أبوظبي".
المتعب في الأمر أنك تحاول تخزين هذا الكم الهائل من الحكايات والتجارب الضخمة والرسائل والجمال في جرعة شعورية واحدة، تبدو كثيفة جدًا مهما طالت ساعات الزيارة، فأنت تعايش تجارب فنية شائكة كأعمال سيروان، وأخرى تحمل مخزونًا من الحكايات كما في أعمال جواد المالحي، بينما تحاول استيعاب الزخم الذي جمعه غاليري صالح بركات بمجموعته النحتية المبهرة، ومازال أمامك الكثير.
حكايات كثيرة حملتها تلك الوجوه التي ظلت منسية لأكثر من 20 عامًا في استديو الفنان الفلسطيني جواد المالحي، قبل أن تصل غاليري "سلوى زيدان" وتشارك في المعرض، يخبرنا عنها: "تعود المجموعة الأولى من الأعمال إلى معرض لي في باريس، كنا حينها متفائلين جدًا بزيارة البابا لفلسطين في عهد الرئيس بيل كلينتون، وننتظر الكثير من الآمال، وأنتجت هذه المجموعة المكونة من أكثر من 101 بورتريه بعنوان "أبناء آدم"، ولم تمضِ سنة حتى قامت الانتفاضة الثانية، فنسيتهم ونسيت حياتي معهم نتيجة الأوضاع القاهرة التي حاوطتنا حينها، أما القصة الأجمل فنراها في مجموعة "حضور الغائب" والتي تعود لقصة خاصة عن بيت فلسطيني بناه صاحبه على طريقته الخاصة وبقيت ذاكرته حاضرة حتى بعد أن غادره لاجئاً".
ونقلت الفنانة السورية لانا الخياط تجربتها الخاصة، كونها تربت في عائلة فنية في عملها "إثمد كحل" المعروض في غاليري "حافظ" من السعودية، وقالت: أوظف فن الخط في أعمالي بأسلوب تجريدي، وهذا عائد إلى كوني تربيت في عائلة فنية كانت متخصصة في إنجاز الغرف الإسلامية العجمية في سوريا، وسافرت بعدها إلى نيويورك، فبدأت أمزج هذه العناصر الأساسية في الفن الذي أقدمه بالإضافة إلى تأثري بالطبيعة التي أمضي معها معظم وقتي.
ولا بد من وقفة عند غاليري "صالح بركات" من بيروت، الحاضر دائمًا منذ انطلاقة المعرض، كما يخبرنا صاحبه صالح بركات، يقول: في هذه المشاركة أردنا أن نلقي الضوء على تاريخ النحت في لبنان، رداً على بعض الأقاويل التي تدعي أنه لا يوجد نحت في العالم العربي، لهذا أردنا أن نوضح أنه لدينا تاريخ عريق عمره أكثر من مئة سنة، وأيضًا أردنا رد الظلم عن النحت، حيث يتهمه كثيرون بأنه مجرد تمثيل لشكل معين، ولهذا أردنا أن نوضح أنه شديد التعدد من ناحية المواد والأفكار.
وأضاف: هنا نعرض أعمالاً تبرز العلاقة بين الخط والعمارة العربية والموسيقى العربية في عمل واحد للنحات جوزيف حوراني، أما عبدالرحمن قطناني فاستخدم جذع شجرة الزيتون الذي تم اقتلاعه ليمنحه حياة جديدة وفروعًا ممتدة من الأسلاك الشائكة بطريقته التي لا تموت، بينما قرر الفنان سعيد بعلبكي في فترة وباء كوفيد 19 أن ينحت الفحم عندما لم يجد مواد يعمل عليها، ليحول هذه المادة الرخيصة إلى دار عبادة، مغايرًا العادات بأن هذه الأبنية تنحت عادة بالمعادن الثمينة والذهب والفضة، حيث أراد أن يناقش العلاقة ما بين المال والسلطة في هذا العمل.
ومن مصر يخبرنا محمد طلعت، صاحب غاليري مصر، عن مشاركته الأولى في المعرض، يقول: لدينا العديد من المشاركات السابقة في آرت دبي، وأرت فير بيروت، وهذه المرة الأولى بأبوظبي، وحرصنا على تقديم مجموعة غنية من أعمال الفنانين العرب، فنحن حريصون على تقديم تجارب فنية عربية مختلفة في الغاليري بالقاهرة، لفنانين من أجيال مختلفة وأيضاً انتماءات واتجاهات مختلفة في الفن، وأضاف: نعرض اليوم أعمال الفنان العراقي سيروان باران التي تحكي الواقع السياسي، وعادل السيوي الذي يتحدث عن الأفكار والأحلام واليوتوبيا الخاصة به، وعلياء الجريدي التي تتبنى قضايا المرأة وحريتها وتوظف الخامات المختلفة لإيصال أفكارها، وإسلام زاهر الذي يستمد إلهامه من تاريخ الفن، والنحات كمال الفقهي الذي يعتمد على الحركة في أعماله النحتية.
ولعل الهرب شبه مستحيل من مواجهة الأسئلة المتدفقة التي تقدمها أعمال الفنان العراقي سيروان باران، والتي يختزل فيها مئات النشرات الإخبارية والمقالات السياسية في مشهدية اتسمت بجرأة التعبير والسخرية السوداء التي يلونها على طريقة فرشاته المتمردة، والتي يقول عنها: أشارك في هذا المعرض بعملين، الأول من مجموعة بيروت التي تحدثت فيها عن خراب بيروت، أما العمل الثاني فهو من مشروعي الحالي وعنوانه "المهرجون" وهذه المرة الأولى التي أعرض فيها تجربتي الجديدة تلك.
وتوقفت الفنانة سلوى زيدان، صاحبة غاليري سلوى زيدان للحديث عن تميز هذه النسخة من "فن أبوظبي"، وقالت: لقد كان لي الشرف أن أشارك في جميع نسخ معرض فن أبوظبي منذ انطلاقته، ويجب أن أقول إن نسخة هذا العام كانت مذهلة حقًا، مع مشاركة 90 غاليري، أي ما يعادل أكثر من ثلاثين غاليري جديدا عن السنوات السابقة، وهذا لأن المعرض يؤكد استمرارية نجاحه، وذلك لإصرار المنظمين على تقديم الأفضل في كل عام، وأضافت: كان واضحًا أن المعرض قد نما بشكل كبير وأصبح منصة بارزة في عالم الفن.