تحل الأحد، 5 يناير / كانون الثاني، ذكرى رحيل شاعر الشعب بيرم التونسي، الذي توفي في مثل هذا اليوم عام 1961.
ترك بيرم إرثًا أدبيًّا وفنيًّا عميقًا، حيث كان من أبرز شعراء العامية في مصر، وصاحب بصمة خالدة في عالم الزجل والأغنية المصرية، مع تقديمه نقدًا سياسيًّا واجتماعيًّا هائلًا في قالب فنيٍّ مبتكر.
وُلد بيرم التونسي في 23 مارس/آذار 1893 في حي الأنفوشي بالإسكندرية لعائلة من أصول تونسية.
عانى في صغره من فقدان والده مبكرًا؛ مما دفعه إلى ترك الدراسة والبحث عن عمل. بدأ دراسته في كُتّاب الشيخ جاد الله، إلا أنه كره التعليم بسبب القسوة، لينتقل إلى معهد أبي العباس المرسي.
توفي والده وهو في سن مبكرة، مما جعله ينقطع عن التعليم نهائيًّا في سن الرابعة عشرة، ورغم المعاناة التي مرّ بها، من فقدان والدته وزوجته الأولى، استمر في البحث عن وسيلة للتعبير عن نفسه، ليجدها في الزجل والكتابة.
برز بيرم التونسي في مجال الزجل، حيث قدم العديد من القصائد التي تناولت هموم الشعب وانتقدت السلطات.
كانت قصيدته "المجلس البلدي" بداية مسيرته الأدبية، وأثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الأدبية والسياسية.
كما تعاون مع فنان الشعب سيد درويش في العديد من الأعمال الفنية التي مزجت الزجل بالموسيقى الثورية مثل أوبريت "أنا المصري".
في مجال الأغنية، كتب بيرم العديد من الأعمال الخالدة لكوكب الشرق أم كلثوم، مثل "الأولة في الغرام"، و"أنا في انتظارك"، و"الآهات"؛ مما ساهم في ترسيخ مكانته في تاريخ الأغنية المصرية.
لم يقتصر إبداع بيرم التونسي على الشعر فقط، بل اقتحم أيضًا مجال الصحافة من خلال إصدار جريدة "المسلة"، التي كانت بمثابة منصة لنقد الاستعمار والسلطة.
وعلى الرغم من مصادرة الجريدة بعد عددها الثالث عشر، أطلق بيرم جريدة أخرى بعنوان "الخازوق"، التي أغلقت أيضًا بسبب هجومه المباشر على السلطان فؤاد.
دفع بيرم ثمن مواقفه الجريئة، حيث تم نفيه خارج مصر في عدة مراحل من حياته، عاش بين تونس وباريس، حيث كانت ظروفه صعبة للغاية، إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة الإبداع والتعبير عن حنينه إلى وطنه في قصائده التي كانت تفيض بالشجن. عاد إلى مصر عام 1938 بعد عفو ملكي.
مع ثورة 1952، شهدت حياة بيرم التونسي تحولًا كبيرًا، حيث وجد في الثورة تجسيدًا لأحلامه الوطنية. وفي عام 1960، منح الرئيس جمال عبد الناصر بيرم الجنسية المصرية تقديرًا لمساهماته الأدبية والفنية. لكن، بعد عام واحد، رحل بيرم التونسي عن عالمنا بعد صراع طويل مع مرض الربو.
ترك بيرم التونسي إرثًا ثقافيًّا هائلًا، مع مئات الأغاني والقصائد والمونولوجات التي تُردد حتى اليوم.
ومن أبرز أعماله "الورد جميل"، "غنيلي شوي شوي"، و"محلاها عيشة الفلاح"، كما أبدع في استخدام العامية المصرية بشكل جعل كبار الأدباء مثل طه حسين يعترف بقدراته، حيث قال: أخشى على الفصحى من عامية بيرم.
بذلك، يظل بيرم التونسي أيقونة ثقافية تُضيء سماء الإبداع المصري، وكلماته ما زالت تمثل صوت الشعب في مواجهة الظلم والتحديات.