يرفع "مهرجان الفنون الإسلامية" في دورته الخامسة والعشرين، التي انطلقت فعالياته في الثالث عشر من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ويستمر حتى الحادي والعشرين من يناير/ كانون الثاني الحالي، شعار "في التجلي الوضوح والكشف، وإن كانت كل بداية صفحة بيضاء، ففي الختام التجلي، وليس أقدر من التجلي على تكوين ما لا يوصف".
يقام المهرجان في عدة أماكن بإمارة الشارقة، أبرزها "متحف الشارقة للفنون"، الذي ضم 25 مجموعة من أعمال الفنانين التي قاربت شعار المهرجان بأساليب فنية مختلفة.
في البداية ثمة دعاء يتجلى في أغصان الأكريليك المتفرعة عن القاعدة الخشبية، على شكل كفوف تتوجه نحو السماء، ويعتصر منها سائل لزج يروي الأرضية، إنه العمل التركيبي "مراحل الوجود" للفنان الإماراتي الشيخ مكتوم آل مكتوم، والذي يتوسط غرفة العرض بطريقة عرض وتشكيل يوحي بالحالة الروحانية التي تضفي بعداً آخر للمكان.
ننتقل إلى غرفة عرض الفنان سعد قرشي، البريطاني من أصل إيراني، والذي يقدم مجموعة من اللوحات بعنوان "تانابانا" تعتبر محاولة لتسليط الضوء على عراقة صناعة النسيج في التراث الفني الإسلامي، وعبر عنها بأسلوب بديع يستوقف العقل المتأمل، للخوض في رحلة التأمل أمام تلك المنسوجات الورقية المتداخلة بزخارفها التي تفضي إلى الكثير من الاحتمالات الشكلية.
وبطريقة مبتكرة، يعبر الفنان الأرجنتيني فرانسيسكو ميراندا عن "تمدد الزمن" من خلال تلك الأعمدة المضاءة التي وزعها داخل الغرفة العاكسة، ليعطي انطباعاً سرياليًّا يفضي إلى العالم الداخلي، حيث يتغير الشعور بالأبعاد الواقعية والمقاييس الثابتة لتفكيرنا بالعام، وكأن الفنان أراد اصطحابنا إلى هذه المنطقة التي ندرك للوهلة الأولى معرفتنا بها، لكن نعجز عن وصفها.
بينما تنقلنا الفنانة البريطانية سارة شودري إلى رحلة تأمل مختلفة من خلال عملها "بوابة"، وهو عبارة عن ثلاث حلقات متتالية ومتناهية من حيث الترتيب والعرض، تحمل دلالات رمزية من خلال تشكيلها الزخرفي البديع، فتبدو كأنها تأخذنا في بعد لا متناهٍ بتوسطها فراغ الغرفة السوداء، بينما يؤدي الضوء دوراً قويًّا في منح هذا الشعور الجميل، حيث يتجلى السلام الداخلي عندما ندرك هذا الهدوء الذي يشبه ضوءاً خافتاً ورقيقاً ينسكب على الأرض بعذوبة.
وفي أبعاد أخرى ننتقل في تجربة بصرية – حسية مختلفة مع الفنان الإيراني سهيل راد في عمله "الجوهر" والذي وظف فيه الضوء والألوان والمرايا بأسلوب هندسي مدروس؛ ليوحي بأن تلك الصناديق الكبيرة الملقاة على الأرض تفضي بنا إلى العمق من خلال تلك الهالة التي ترددها انعكاسات الأضواء الملونة على المرايا داخلها، موظفاً التصاميم الهندسية المستوحاة من الإرث الفني الفارسي بألوانه وتشكيلاته البديعة، لكن بأسلوب معاصر يطرح الأسئلة جانباً أمام سيطرة الإضاءة البنفسجية التي تفرض حالة من التأمل على جو غرفة العرض، فتتجلى تلك الدعوة العميقة للغوص بالشعور والتخلي عن سيطرة العقل أمام هذه التجربة الحسية المسالمة.
ويبدو من الصعب التخلي عن فكرة البقاء لوقت أطول أمام عمل الفنانة الكندية شياو جينغ يان "سحابة روح" الذي أرادت من خلاله أن تجسد حالة روحية جمالية تقارب فكرة دوران الخلية بين الوجود والعدم، تلك السحابة التي شكلتها من حبات اللؤلؤ الموزعة على خيطان بلاستيكية شفافة اصطفت بغزارة وبإتقان ودقة متناهية لتجسد الفكرة، وربما لتؤدي دورها في محاكاة الشعور الداخلي بمساعدة الضوء، إنه يبدو كأروع تجسيد للسحابة بمفهومها المرتبط بالتأمل ولسقوط المطر بدلالاته الحسية، بينما يدل التشكيل المتجسد بتوزيع كثافة حبات اللؤلؤ وكتلة الشكل الافتراضي على الصراعات الداخلية التي تلتصق بوجودنا البشري، بوصفها محركا ودافعا التصق بماهية الوجود الإنساني منذ الأزل.