header-banner
مها بيرقدار

سيّدة مجبولة بالشعر.. مها بيرقدار الخال أغلقت كتابها ورحلت

ثقافة
فريق التحرير
25 فبراير 2025,10:33 ص

لا شيء يفيها حقّها؛ لا ما كُتب، ولا ما أكتب. مفتونة بجماليات الحياة ومآسيها، مها بيرقدار الخال، سيّدة مجبولة بالشعر، عاشت تقشّف الكبار وسكينة الأرواح الباحثة عن المعنى، وغادرت أخيراً "العراء المرعب" نحو كوّة الضوء، المفتوحة على حياة تليق بها.

لاذت طويلاً بالصمت، وانحاز شعرها نحوه. والصمت في قواميسها غير السكون؛ "السكون موت، أمّا الصمت فتحتدم فيه حيوات"، قالت يوماً لـ"النهار". وصمتها "اخترن عشقاً بلا صراخ"، على ما قال المطران جورج خضر الذي رأى فيها "نجمة ترى نفسها سائرة إلى الله، أو فيه، مع ما يكتنفها من حزن".

وديوانها الشعري الثالث (2004) حمل اسم "الصمت". والربيع حلّ على كتفيها عشرين مرّة ورحل. وهي حملت صمتها إلى مذكّراتها (2024)، ورافعت عن جوهره، وقالت إنّها ما اختارته عن ضعف، "إنما عن وعي وعن رقيّ". لم تُرِد لروحها بأن "تتلوث"، "بل أن تبقى تضجّ بالحب والجمال والخير".

5d43ff67-95d7-42b5-8bc1-f1664bf0580c

والعشق الذي اختزنه صمتها كان ذلك "الخيط الألماسي الذي يربطنا بالموجودات، وصلة الوصل بين القوى الكونية، ومن دونه لا تواصل. والتواصل غاية الإنسان، المختلف حسّياً وكلّياً عن غيره من الناس".

واتّحاد مها بالصمت دفعها للقول إنّ "العشق يكون أحياناً بالصراخ، فيبدو مثل ذاك الحريق الذي يأكل المسافات؛ وأحياناً يكون على هيئة نشيج خافت، وهو أيضاً محرق".

ولمّا أرادت مها لصمتها أن ينكفئ أمام صخب الأفكار والأحاسيس، وقفت أمام المرآة تنسج من خيوط شعرها حكايا العراء المرعب؛ والعراء الذي بات مرعباً كان "الحياة المتبقّية"، وفيها بقايا حيوات عاشتها، وموت آخته وتفرّست فيه غير مرّة.

"الموت ظلّ مخيف"، قالت في مذكّراتها اليتيمة، "لا ننسى غياب من نحبّ، لكننا نتعود شيئاً فشيئاً على غيابهم". ومها رأت الموت وعاندته. وبيروت تحفظ ذكرياتنا السوداء، وللشاعرة نصيب منها.

أخبار ذات صلة

رحيل مها بيرقدار.. يوسف وورد الخال يودّعان والدتهما بكلمات مؤثرة

 الثالث والعشرون من شباط/فبراير 1980. انفجار ضخم ارتعدت لهوله بيروت. مايا، طفلة رئيس الجمهورية بشير الجميّل، شهيدة. مها ممدّدة على المقعد الخلفي في سيارة أجرة. صدمة عنيفة، وفي عينيها أوراق الأشجار تتساقط، والنيران تعلو وتمزّق الفضاء بلهيبها. "كلّ شيء حدث وكأنّني في حلم مزعج، أو كأنّني وسط الجحيم"، تذكّرت.

وتوالت فصول الموت؛ أشدّها وقعاً كان موت الأب، والتراجيديا اكتملت بموت الزوج. والجميع بات يعرف أنّ زواجها بالشاعر يوسف الخال "لم يكن متكافئاً بكلّ المقاييس"، وهكذا اعترفت على مسافة من رحيلها.

والزواج الذي بدأ حلواً بشاعريّته، سرعان ما ظهرت مرارته. ولا جدوى من الغوص في تفاصيل لا تخصّ أحداً. فقدان الزوج "خسارة لا تعوض"، قالت مرّة لـ"النهار"، "كنتُ روح عطائه، لأنّني أمّنت له عزلة جميلة وطمأنينة كبيرة يحتاجهما الشاعر، وطبعاً المحبة والولاء الدائمين. من هنا أستطيع القول إنّني سكنته بهذه الطريقة".

في وجدانها، كان يوسف "مثل السرّ، كلّما ابتعدتَ عنه أحببتَه أكثر". بعد رحيله شعرت بأنّها تعرفه أكثر من الماضي، "يمكن لأنّه سكت، يمكن لأنّه صمت. كنت دائماً مشغولة به عنه".

ومها التي أحبّت يوسف حبّها للرسم والشعر وجماليات الحياة تساءلت: "هل يجب أن يموت الإنسان كي نكتشفه؟".
 

أخبار ذات صلة

ورد الخال عن رحيل والدتها مها بيرقدار: خسارة لنا وللفن

 

google-banner
footer-banner
foochia-logo