في مثل هذا اليوم، 24 يونيو/حزيران من عام 1901، شهد شارع لافيت الشهير في باريس حدثًا استثنائيًا تمثل في افتتاح بابلو بيكاسو لأول معرض كبير له.
كان هذا الحدث نقطة تحول في حياة الشاب الإسباني الذي سيصبح فيما بعد أحد أعظم الفنانين في التاريخ. دعونا نستعرض تفاصيل هذا المعرض الذي كان خطوة أولى في حياة بيكاسو الفنية.
البداية المبكرة والموهبة الفذة
وُلد بابلو بيكاسو في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1881، وبرزت موهبته الفنية منذ نعومة أظفاره. في سن الثالثة عشرة، بدأ بيكاسو بعرض أعماله الفنية بفضل دعم وتشجيع والده، خوسيه رويز، الذي كان هو الآخر رسامًا وأستاذًا للفنون.
بفضل هذا الدعم، تمكن بيكاسو من الانضمام إلى مدرسة الفنون الجميلة في برشلونة في سن مبكرة، وهنا أظهر موهبته الفريدة التي لفتت الأنظار إليه.
اللقاء الذي غيّر كل شيء
كان عام 1901 نقطة تحول حاسمة في حياة بيكاسو. فبعد وصوله إلى باريس في أكتوبر 1900، التقى بيكاسو بالتاجر الفني بير ماناش، الذي قدمه لاحقًا إلى أمبرواز فولارد؛ أحد الشخصيات البارزة في عالم الفن آنذاك.
فولارد، بشخصيته البارزة وحسّه التجاري المعروف، قرر تنظيم معرض فردي لبيكاسو في الغاليري الشهير الخاص به بشارع لافيت. وكانت هذه فرصة العمر التي لم يتردد بيكاسو في اغتنامها.
انطلاقة نحو العظمة
قبل أشهر من المعرض، عاد بيكاسو إلى باريس وعمل بجد لإنتاج مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية.
يقال إنه كان يرسم ما يصل إلى لوحتين في اليوم، مجسدًا مختلف المواضيع التي ستظهر لاحقًا في مسيرته الفنية، مثل المناظر الطبيعية، ومشاهد الشوارع، والبورتريهات الشخصية.
ضم المعرض حوالي 75 عملًا فنيًا، أبرزها البورتريه الذاتي الشهير "أنا، بيكاسو" الذي كان بمثابة إعلان جريء عن حضوره القوي في الساحة الفنية.
من بين اللوحات البارزة الأخرى كانت لوحة غوستاف كوكويوت، ناقد فني وكاتب، ولوحة بيبي لا بوريه، وهو ممثل سابق تحول إلى متشرد.
ردود الفعل والإرث
رغم الإشادة النقدية بمعرض بيكاسو الأول، إلا أن فولارد لم يعتبره نجاحًا كبيرًا، ولم يشترِ من بيكاسو مجددًا حتى عام 1906. أما بيكاسو، فقد خاب أمله قليلاً بسبب ما اعتبره استغلالًا ماديًا من قبل فولارد، ويبدو أنه لم يكن وحيدًا في ظنه، إذ وافقه الرأي كل من غوغان وماتيس، ويُقال إن الأخير لفظ اسم فولارد على أنه "voleur"، وهي كلمة تعني "لص" بالفرنسية.
الفترة الزرقاء
ما تلا المعرض كان فترة مليئة بالتحديات والفقر لبيكاسو، حيث وجد نفسه متأثرًا بعمق بتجارب الحياة القاسية في باريس. هذه الفترة أثرت على فنه، وقادته إلى "المرحلة الزرقاء" التي تعتبر من أهم مراحل حياته الفنية.