بوصفه المشرف على معرض "عبدالله السعدي: أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان" الذي يمثل مشاركة الجناح الوطني لدولة الإمارات في "بينالي البندقية للفنون 2024" يخبرنا القيّم الفني، طارق أبو الفتوح، الذي يشغل حالياً مدير قسم فنون الأداء، والقيّم الأول لدى مؤسسة الشارقة للفنون، عن تفاصيل هذا المعرض، الذي يسجل المشاركة الثامنة لدولة الإمارات في بينالي البندقية، حيث تنطلق فعاليات الدورة الـ60 منه خلال الفترة الممتدة بين 20 أبريل و24 نوفمبر.
تشرفت بدعوة كريمة لأكون المشرف على جناح دولة الإمارات في بينالي البندقية لهذا العام، وأتعاون مع الفنان الإماراتي عبدالله السعدي، الذي يعتبر من الرعيل الأول من فناني الإمارات المنفتحين على الفن المفاهيمي، أولئك الذين فتحوا الطريق أمام الأجيال اللاحقة من الفنانين.
يتميز الفنان عبدالله السعدي بأنه فنان خاص، غزير الإنتاج، لا يتوقف عن العمل، شارك في السابق في العديد من الفعاليات والمعارض الفنية العالمية، ومنها بينالي البندقية، لكن مشاركته لهذا العام ستكون مختلفة كونه معرض خاص له وحده.
تطلبت الإجابة على هذا السؤال التعمق في دراسة رحلات السعدي في الطبيعة وما يخرج عنها، كنت شغوفاً بالتعرف على آلية تكون العملية الإبداعية في أعماله، وانطلقت من عبارة قالها لي: أرسم عندما أشعر بالتوحد مع الطبيعة.
هذه العبارة أعادتني إلى أدونيس، في "ديوان الشعر العربي" الذي جمع فيه مقالاته في الستينيات عن الشعر القديم، وذكر فيه أن الشعراء يبدؤون بنظم الشعر عندما يشعرون بالتوحد مع الطبيعة، شعرت أن فن عبدالله موغل بالقدم، وقد شبهه البعض بصحراء أريزونا في الستينيات، لكنني وجدت في فنه امتدادا لهؤلاء الشعراء المستغرقين بالتوحد مع الطبيعة.
هو يسافر وحده برفقة الكتب، أو برفقة كلب أو حمار. يمشي في الجبال ليرسم ويطبع خرائط الطرق. ليس مضادا للحداثة، ولا يوثق كل شيء حرفياً، من هنا استوحيت عنوان المعرض "أماكن للذاكرة وأماكن للنسيان".
الذاكرة هنا ليست بالضرورة مكان جغرافي، نحن نتحدث عن الذاكرة الجمعية للناس، هناك دائماً أشياء نحتفظ بها وأشياء ننساها، إنه تاريخ موازٍ للتاريخ الرسمي، فالناس تذكر أشياء وتنسى أشياء، وقد كتب نوري الجراح عن تلازم الذاكرة والنسيان وأهميتهما.
هناك تنوع ثري ومفاجئ في أعمال السعدي، وفي تشكيلاته الفنية للتعبير عن الفكرة، من الممكن أن تأخذ شكل لفائف طويلة، أو لوحات من قماش الرسم أو أوراقاً أو صخوراً تختلف هيئاتها ما بين عمل وآخر، وهناك علب الشوكولا القديمة التي حولها إلى صناديق للمفاجآت، ألصق بداخلها قماش الرسم وحمّلها ذاكرته اليومية.
يتضمن المعرض أعمالا مأخوذة من 8 رحلات للسعدي، البعض منها معروض بشكل متحفي، والبعض الآخر سيكون محفوظاً داخل صناديق تبدو أشبه بصناديق الجدات من حيث التصميم، ومتاحاً لمن يرغب باستطلاع باقي الأعمال مع الممثلين المستعدين لمرافقة الزوار في هذه الرحلة، والخوض في تفاصيل هذا الكم الهائل من الأعمال، فالمعرض مكون من 8 رحلات، ويحوي 233 قطعة.
لسنا مختلفين عن المجتمعات الأخرى، لكن لا بد من مجاراة العصر، وعلينا أن نكون متفائلين بالنظر إلى الجانب الإيجابي، فلدينا "بينالي الشارقة" الذي يحظى بجماهيرية كبيرة وبعدد كبير من الزوار يفوق المسرح الكلاسيكي، لكن يمكننا القول إن المشكلة تكمن بافتقادنا للحركة النقدية في عالمنا العربي.
وأحب أن ألفت إلى نقطة هامة، وهي أن الفن المفاهيمي هو الذي يتلقى الدعوات للمشاركة في الفعاليات العالمية مثل "بينالي البندقية" وغيره، على عكس الفن التصويري على سبيل المثال، ونحن لدينا فنانون يعتبرون من أهم فناني العالم في هذا المجال، مثل منى حاتوم، وأنجلي جاسر، هؤلاء يعتبرون جزءاً من الحوار العالمي. وعلينا أن نتذكر أن الناس قبلوا الفن المفاهيمي في السينما والمسرح، وهو جزء من حياتنا المعاصرة، وروابطنا مع العالم.
أعتقد أن هذه المهمة تقع على عاتق المدارس بالدرجة الأولى، عليهم أن يقيموا جولات إلى المعارض ويشرحوا هذا الفن للأطفال ويقربوهم منه ليعتادوا هذا الفن ويجيدوا قراءته.
غياب الحركة النقدية الاحترافية في الصحف تعتبر من المشاكل التي يتم الحديث عنها في كل العالم، لكن لا يمكننا الإنكار أن الوضع عندنا أسوأ، وأعتقد أن هذا مرتبط بتقليص مساحة الفن والثقافة في الصحف أيضاً بدعوى أن الفن ليس له جمهور، وهذا ليس حقيقياً، على الأقل هناك آلاف الطلاب المهتمين بدراسة الفن والقراءة عنه ومتابعة أخباره، لهذا علينا جميعاً أن نقاوم هذا الوضع، وأن نطالب بأن يكون للثقافة حضور؛ لأن هذا الحضور يمثلنا فكرياً وثقافياً وحضارياً.