تمر الأيام، وتظل الذكريات حية، خاصة عندما يتعلق الأمر بفنان قدم الكثير لأبناء جيله ولأجيال لاحقة.
في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2016، فقدت مصر واحداً من أبرز نجومها، الفنان أحمد راتب، الذي توفي بعد مسيرة حافلة بأكثر من 500 عمل فني. كان أحمد راتب أحد الأسماء التي لا يمكن أن يغفلها عشاق الفن المصري، فقد قدم لنا لحظات من الضحك والدراما الهادفة، وترك بصمة كبيرة في عالم السينما والتلفزيون والمسرح.
بموهبته الفذة التي لا تضاهى وأدائه البسيط والمقنع، نجح في أن يكون جزءًا من قلوب الجمهور الذي لن ينسى أبدًا إسهاماته المميزة في صناعة الفن.
رحل راتب في مثل هذا اليوم عن عمر يناهز 67 عامًا بعد تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة، حيث كان واحدًا من أكثر الفنانين حضورًا على الساحة الفنية، ليحتل مكانة بارزة بين أعظم نجوم السينما والتلفزيون المصري.
ولد أحمد راتب في 23 يناير 1949، وكان شغفه بالفن يظهر منذ الصغر، حيث بدأ بممارسة التمثيل في المدرسة. ومع تقدم السنوات، تطور شغفه هذا عندما التحق بفرقة التمثيل في كلية الهندسة، ثم قرر أن يسير في طريقه الفني، فانتقل إلى معهد الفنون المسرحية، ليحصل على درجة البكالوريوس، ويبدأ مشواره في عالم الفن. كانت بدايته على شاشة التلفزيون، ليغزو بعدها المسرح والسينما، ويصبح واحدًا من أبرز نجوم الكوميديا في تلك الفترة.
تُعد فترة التسعينيات من أكثر فترات تألق أحمد راتب، حيث شارك في العديد من الأعمال الفنية الهامة مثل "الإرهاب والكباب"، "اللعب مع الكبار"، و"جزيرة الشيطان" مع الزعيم عادل إمام. كانت أدواره دائمًا تتميز بالبساطة والقدرة على التأثير في الجمهور، مما جعله يحتل مكانة خاصة في قلوب محبي الفن المصري. كما اشتهر بقدرته على أداء الأدوار الهزلية التي تعكس واقع المجتمع، وتناقش قضاياه بشكل فكاهي.
أحمد راتب لم يكن فقط فنانًا كوميديًا، بل استطاع أن يثبت قدراته في تجسيد أدوار درامية معقدة، حيث شارك في مسلسلات مثل "المال والبنون"، "سكة الهلالي"، و"أم كلثوم"، التي نال عنها جائزة مهرجان الإذاعة والتلفزيون. من أبرز ما قدمه في السينما كان "الإرهابي"، "السفارة في العمارة"، و"صايع بحر"، وغيرها من الأعمال التي أثرت في تاريخ الفن المصري.
لم تكن حياة أحمد راتب خالية من التحديات، فقد تعرض للسجن في بداية حياته؛ بسبب مشاركته في اعتصام خلال دراسته في كلية الهندسة اعتراضًا على الأحكام الصادرة بعد النكسة. كما تعرض لإصابة خلال تصويره أحد مشاهد فيلم "بخيت وعديلة"، حيث تعرض أنفه للكسر. ولكن رغم كل هذه التحديات، ظل أحمد راتب ملتزمًا بمهنته وأدواره الفنية، وهو ما يبرهن عليه الموقف الذي روته ابنته عن وفاته، إذ كان ملتزمًا بعرض مسرحي، رغم وفاة والده في اليوم نفسه.
رحل أحمد راتب، لكن أعماله لا تزال حية في ذاكرة الجمهور في مسيرة حافلة ما بين سينما وتلفزيون ومسرح. كان ظهوره في كل عمل يُعد إضافة حقيقية، حيث كان يمتلك القدرة على التأثير في أي شخصية يؤديها. وفي السنوات التي تلت وفاته، استمر جمهور أحمد راتب في التفاعل مع أعماله التي تركت بصمة في الفن المصري.