يصادف اليوم 15 ديسمبر/ كانون الأول، الذكرى الحادية والثلاثين لرحيل الفنانة المصرية زينب صدقي، التي تحمل عبق الزمن الجميل للسينما المصرية، بأسلوبها الفريد، ومواقفها النبيلة، وأدوارها التي لم تفقد بريقها؛ إذ تبقى زينب صدقي نموذجاً استثنائياً للفنانة التي أحبها الجمهور وأحبته.
في عالم الفن الذي تتغير أسماؤه ووجوهه بمرور الزمن، يظل اسم زينب صدقي محفوراً في ذاكرة السينما المصرية كرمز للطيبة والرقي. بوجهها الذي يعكس الحنان ورقيها الفني الذي تخطى حدود الزمن، استطاعت أن تكون الأم والجارة والناظرة التي تحمل الخير في كل أدوارها، لتترك بصمة لا تُنسى، وأن تحظى بلقب ملكة الجمال بأمر الجمهور، في قصة تعكس محبة الناس لها قبل الفن.
وُلدت زينب صدقي، واسمها الحقيقي ميرفت عثمان صدقي، في 15 أبريل 1895 لأسرة محافظة من أصول تركية. بدأت مسيرتها الفنية في عمر الثانية والعشرين عام 1917، وكانت إحدى رائدات المسرح المصري؛ إذ تميزت في أداء الأدوار الناطقة بالفصحى. حصلت عام 1926 على الجائزة الأولى في التمثيل بمسابقة نظمتها لجنة تشجيع التمثيل والغناء المسرحي، لتثبت موهبتها الفنية، وتتفوق على أبناء جيلها.
عملت زينب صدقي في أهم الفرق المسرحية المصرية، منها: فرقة رمسيس مع يوسف وهبي، ومسرح الريحاني، وفرقة عبد الرحمن رشدي. قدمت أعمالاً خالدة مثل: "مجنون ليلى" و"كليوباترا"، وقد أظهرت براعتها في التمثيل باللغة العربية الفصحى؛ ما جعلها من أبرز ممثلات المسرح في زمانها.
انتقلت زينب صدقي إلى السينما، وبدأت تجسيد أدوار الأم والناظرة والجارة الطيبة، مستفيدة من ملامح وجهها التي تعكس البراءة والحنان. برعت في أداء دور الأم المصرية في فيلم "بورسعيد"، والناظرة الطيبة في فيلم "عزيزة"، والجارة المحبة في "البنات والصيف". ومن أشهر أفلامها الأخرى "ست البيت"، و"صغيرة على الحب"، و"الراهبة"، و"وفاء إلى الأبد"، و"مصطفى كامل".
في عام 1930، في أثناء حضورها مسابقة لاختيار ملكة جمال مصر، نظمتها إحدى المجلات الأجنبية في الإسكندرية، أصر الجمهور على اختيار زينب صدقي لهذا اللقب، رغم أنها لم تشارك رسمياً في المسابقة. رفضت لجنة التحكيم هذا القرار، لكن الجمهور الغاضب أعلنها ملكة جمال الشعب، في مشهد يعكس الشعبية الكبيرة التي كانت تتمتع بها.
رغم زواجها مرة واحدة فقط ولمدة ستة أشهر، تبنت زينب صدقي طفلة يتيمة الأبوين أطلقت عليها اسم كوثر عباس، والتي عُرفت لاحقاً باسم ميمي صدقي. عُرفت زينب بمواقفها النبيلة تجاه زملائها في الوسط الفني، وكان منزلها في حي الزمالك مركزاً للجلسات الأدبية، حيث جمعتها صداقات مع كبار الكتاب والمثقفين.
استمرت مسيرة زينب صدقي الفنية، من عام 1917 حتى عام 1985، وقد اعتزلت الأضواء وهي في قمة عطائها الإنساني والفني. قضت زينب سنواتها الأخيرة في لبنان، ورحلت عن عالمنا في 15 ديسمبر 1993، تاركة إرثاً فنياً لا يُنسى، وصورة مشرقة للمرأة المصرية في أدوار الأم والأخت والصديقة.