"لكي تصبح شخصًا ناجحًا وثريًا.. عليكَ أن تتضور جوعًا".. مقولة تلخّص قصة الشاب الفقير، ابن عامل السكك الحديدية، أمانسيو أورتيغا، أغنى رجل في أوروبا والعالم، صاحب شركة "إنديتكس"، التي أسست علامات: زارا، بريشكا، بول آند بر، ماسيمو دوتي، ستراديفاريوس، أويشو، وأوتركوي، التي تستحوذ على 59.3% من تجارة الأزياء والموضة، بقيمة سوقية تتجاوز الـ 111 مليار و6 ملايين دولار.
الفقير الذي ألبس الفقراء الموضة بـ25 دولارًا فقط
بدأ حلم أورتيغا بعمر 13 سنة، عندما توقف عن الذهاب إلى المدرسة، بسبب فقر عائلته، والتحق بالعمل لدى أحد الخياطين في مدينة لا كورونيا، حيث كان يقوم بتوصيل الملابس إلى زبائن أثرياء. هذه المهمة اليومية أثرت كثيرًا في أفكاره، حيث قرر - في ما بعد - صناعة ألبسة لجميع الناس بأسعار منخفضة. بعد عامين، انتقل للعمل مساعدًا للخياطين في المحل نفسه، حيث تعلم الخياطة، واكتسب خبرة في مراحل الإنتاج.
في منتصف العشرينات من عمره، بدأ أورتيغا، مع زوجته الأولى روزاليا ميرا وإخوته، صنع برانص للحمامات خاصة بهم، ثم توسع إلى تصنيع ملابس داخلية، وتوزيعها على محال البلدة. كلفه هذا الاستثمار 25 دولارًا فقط، ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يقرر إنشاء مصنعه الخاص، لبدء رحلته الشهيرة في عالم الأزياء. ففي عام 1963، افتتح أورتيغا أول أعماله مصنع "كونفيسيونيز غووا" في لا كورونيا، والذي كان حجر الأساس لإمبراطوريته الناشئة.
زوربا.. اليوناني الذي صنع "زارا"
في عام 1975، قرر أورتيغا أن يتفرَّع، ويفتح أول متجر له، وكان من المفترض أن يطلق على المتجر اسم "زوربا"، بسبب إعجاب زوجته بالفيلم الذي كان يعرض في تلك الفترة تحت عنوان: "زوربا"، لكن أورتيغا اكتشف أن هناك حانة تحمل الاسم نفسه، على بعد شارعين، فقرر - بالاتفاق مع زوجته - تغيير الاسم إلى زارا.
ديمقراطية الموضة
سرعان ما ذاع صيت محل زارا، الذي تميز بمفهوم "ألبسة على الموضة بأسعار رخيصة".
هذه المعادلة كانت قد استخدمت في الولايات المتحدة مع محال "غاب"، وفي المملكة المتحدة مع متاجر "كست"، لكن الفكرة كانت جديدة في إسبانيا، حيث سيطرت لمدة طويلة على سوق الألبسة مجموعتا "كورتي إنغلس" و"كورتفيل"، لكنهما لم تسعيا إلى محاكاة أذواق الشباب الإسباني، الطامح إلى الموضة العالمية. واستطاعت "زارا" الانتشار بسرعة، عبر بناء شبكة من المتاجر، في جميع أنحاء إسبانيا.
في أول تقرير حول البيانات المالية للشركة، كتب أورتيغا أهداف تأسيس "زارا"، قائلاً: "الهدف من (زارا)، هو جعل الموضة أكثر ديمقراطية، فبعكس فكرة أن الموضة هي حق الثري، نحن نقدمها لتلمس جميع طبقات المجتمع، وهي مستوحاة من الذوق والرغبات والحياة اليومية، للرجال والنساء في عصرنا".
كما ابتكر أورتيغا مفهوم الموضة السريعة للتميز عن الآخرين، ففي حين كانت بيوت الأزياء العالمية تطرح تصميمات وأشكالاً جديدة كل أشهر عدة، كانت "زارا" تطرح أزياء جديدة كل أسبوعين أو أقل.
«إنديتكس».. إمبراطورية Prêt-à-porter:
لم يكتفِ أورتيغا بنجاح محال "زارا" فقط، فقرر إطلاق علامات تجارية مختلفة؛ لتحاكي أذواق شرائح المجتمع المتنوعة، فأسس، عام 1985، مع زوجته روزاليا ميرا مجموعة إنديتكس، وهي اختصار لاسم "إندستريا دي ديسينو تكستيل"، حتى تحتضن "زارا" وأخواتها.
وهذه المظلة الواحدة بدأت - منذ اليوم الأول لتأسيسها - في تنويع العلامات التجارية للألبسة؛ فأنتجت "ماسيمو دوتي"، و"بول آند بر"، و"ستراديفاريوس"، و"أويشو"، و"أوتركوي"، و"زارا هوم"، وأصبحت تستحوذ على 59.3% من تجارة الأزياء والموضة، بقيمة سوقية تتجاوز الـ 111 مليار و6 ملايين دولار، ولديها 2,259 متجرًا، موزعة على 96 دولة.
وتعتبر "إنديتكس" أكبر إمبراطورية صناعية في إسبانيا، وهي ثالث أكبر مجموعة لصناعة الألبسة في العالم، بعد "غاب" الأميركية، و"أتش آند أم" السويدية، كما يملك أورتيغا استثمارات في الغاز والسياحة والعقارات، وحصة مؤثرة في أحد أكبر البنوك الإسبانية.
البسيط.. الخجول
يعيش مالك إمبراطورية الغزل والنسيج حياة متواضعة، حيث يقيم في مسقط رأسه لا كورونيا، وما يزال يزور المقهى نفسه كل يوم بوسط المدينة، ويطلب البيض والبطاطس لوجبة الإفطار، كما يحافظ الملياردير أورتيغا على بساطته، ولا يتكلم أو يستعرض نجاحاته، ولا يملك مكتبًا خاصًا أو جهاز كمبيوتر، ويفضل قضاء معظم وقته برفقة موظفيه في الورشة، يناقش التصاميم والأفكار، ويتناول معهم الغداء في كافيتريا بمقر الشركة الرئيس في لا كورونيا، ونادرًا ما يأخذ أورتيغا إجازات، أو يزور المنتجعات الفاخرة، كما يكره ارتداء البدلات وربطات العنق، ويكتفي بارتداء قميص أبيض وبنطال جينز، غير معروفة علامته التجارية.
الحادثة التي غيَّرت حياته
مايزال أمانسيو أورتيغا يتذكر حادثة لوالدته، أثرت فيه وغيَّرت حياته، حيث كانت والدته تضطر إلى العمل كخادمة في البيوت، لإعالته رفقة إخوته الأربعة، وكثيرًا ما كانت تلجأ إلى الاقتراض من أصحاب المتاجر لإطعام أطفالها.
وفي أحد الأيام، عرف أورتيغا أن صاحب متجر في المدينة لم يرفض فقط مساعدة والدته، لكنه أهانها أيضًا، هذه الحادثة أثرت فيه بشدة، وقرر ترك المدرسة في سن الرابعة عشرة، وبدأ نسج قصته في عالم الأزياء والثروة، من عامل توصيل الملابس إلى أغنى رجل في أوروبا.