عندما نسمع كلمة "حظ"، يتبادر إلى أذهاننا مشاهد من القصص الخيالية أو الصدف السعيدة التي تُغيّر مجرى حياة شخص ما.
لكن، هل يمكن للحظ أن يكون أكثر من مجرد صدفة؟ تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الحظ قد يكون مرتبطًا بسلوكياتنا اليومية وطريقة تفكيرنا أكثر مما نعتقد.
في دراسة قام بها الدكتور ريتشارد وايزمان، أحد أبرز علماء النفس التجريبي، استُعرضت العلاقة بين مفهوم الحظ وسلوك الأفراد. حيث أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم محظوظين لا يختلفون كثيرًا عن غيرهم في الظروف التي يمرون بها، لكنهم يتميزون بنمط تفكير وسلوكيات تتيح لهم اكتشاف الفرص واستثمارها. فما هي هذه السلوكيات؟
إحدى التجارب المدهشة التي أجراها الدكتور وايزمان تُعرف بـ"تجربة الصحيفة". طُلِب من المشاركين تصنيف أنفسهم إما محظوظين أو غير محظوظين، ثم طُلِب منهم تصفح صحيفة والبحث عن عدد الصور الموجودة فيها. كانت المفاجأة أن الصحيفة تضمنت إعلانًا كبيرًا في منتصفها كتب عليه: "توقف عن العد، هناك 42 صورة في هذه الصحيفة". المشاركون الذين وصفوا أنفسهم بالمحظوظين لاحظوا الإعلان فورًا وجمعوا المكافأة، بينما استمر غير المحظوظين في العد حتى النهاية.
تُظهر هذه التجربة أن الأشخاص المحظوظين يوسعون دائرة انتباههم، ويبحثون عن الفرص في كل مكان، في حين يميل غير المحظوظين إلى التركيز الضيق؛ ما يجعلهم يفوتون فرصًا واضحة.
لتغيير عقلية "سوء الحظ"، اقترح الدكتور وايزمان تمرينًا بسيطًا لكنه فعال: الاحتفاظ بـ"مذكرة الحظ". طلب من المشاركين أن يكتبوا يوميًا أكثر الأشياء الإيجابية التي حدثت لهم، أو فكرة إيجابية راودتهم، أو حتى موقف سلبي لم يتكرر.
نتائج هذا التمرين كانت مذهلة. فقد بدأ المشاركون في ملاحظة الأمور الجيدة في حياتهم؛ ما غيّر من منظورهم للعالم، وساعدهم على اكتشاف فرص جديدة. هذا السلوك لا يعزز فقط الشعور بالسعادة، بل يدرّب العقل على البحث عن الإيجابيات.
من أبرز المفاهيم التي تناولها الدكتور وايزمان هي فكرة "البحث عن الجانب المضيء" في كل موقف. ضرب مثالًا طريفًا على ذلك: "إذا سقط شخص محظوظ من على الدرج وكسر ساقه، قد يقول: حسنًا، لقد كُسرت ساقًا واحدة فقط، ولو كنت أقف في زاوية مختلفة لكنت قد كسرت الاثنتين".
هذا النهج الإيجابي لا يعني إنكار الواقع، بل هو تدريب للعقل على التركيز على ما يمكن تعلمه من التجارب السلبية وتحويلها إلى فرص للتطور.
قد يظن البعض أن تغيير العقلية أمر مستحيل، خاصة إذا كان الشخص قد اعتاد على النظر إلى نفسه كضحية للظروف. لكن الحقيقة أن التغيير يبدأ برغبة صادقة.
وكما أشار الدكتور وايزمان، فإن حوالي 20% من الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم "غير محظوظين" يتمسكون بهذه الفكرة؛ لأنها أصبحت جزءًا من هويتهم. هؤلاء قد يجدون صعوبة في تقبل فكرة أنهم قادرون على صنع حظهم.
وكخلاصة لكل ما سبق، إذا أردت أن تكون محظوظًا، عليك أن تؤمن بإمكانية حدوث ذلك. ابدأ بتدريب عقلك على الانتباه للفرص، واكتب يومياتك الإيجابية، وحاول أن ترى الجانب المضيء في كل موقف. الحظ ليس صدفة بقدر ما هو اختيار ونتيجة لسلوكيات يومية تعكس مرونتك وقدرتك على التكيف مع الحياة.