لا يزال الشعور بالعار يؤثر بشكل عميق على الكثير من الأشخاص، حيث يُنظر إليه كقيد اجتماعي يحجب الذات الحقيقية ويمنعهم من التعبير عن أنفسهم بحرية.
لكن ماذا لو كانت هناك طريقة لتجاوز هذا العار؟ ماذا لو كان بإمكاننا أن نعيش بشكل أصيل وأن نُظهر أنفسنا للعالم دون أن نخشى الأحكام أو القيود الاجتماعية؟
هذا ما يناقشه عالم النفس الاجتماعي ديفون برايس في كتابه الجديد الذي يتناول طرق التخلص من العار المنهجي وإيجاد طرق صحية للتفاعل مع الذات والآخرين.
العار المنهجي هو شعور يتغلغل في مجتمعاتنا ويصبح جزءًا لا يتجزأ من قيمنا اليومية. يُزرع هذا الشعور فينا من خلال معايير اجتماعية مفرطة وتوقعات قد تكون غير واقعية، تجعلنا نشعر دائمًا أننا غير كافيين أو أننا بحاجة للاختباء. لا يتعلق الأمر فقط بالخطايا الفردية، بل بنظرة المجتمع التي تضع اللوم على الأفراد وتعاقبهم على خصالهم الإنسانية الطبيعية.
برايس يشير إلى أن هذه الرسائل القوية التي يرسلها المجتمع تشكل تحديات يومية يصعب مواجهتها. لكن، كما يقول، يمكننا أن نطور القدرة على التكيف مع هذه الرسائل السلبية من خلال تطوير إستراتيجيات نفسية تسمح لنا بأن نكون أكثر مرونة وأقل تأثراً بهذه المعايير المجتمعية القاسية.
التعافي من العار المنهجي ليس رحلة سريعة، بل هو عملية مستمرة قد تستغرق وقتًا طويلاً. يكمن التحدي في تعلم كيفية بناء علاقات قائمة على الشفافية والقبول المتبادل. برايس يُسمي هذه العملية "الاعتراف التوسعي"، وهو مفهوم يصف شعورًا عميقًا بالاتصال بالآخرين، حيث نُظهر أنفسنا كما نحن بكل عيوبنا وهشاشتنا، ونتعلم أن نحب أنفسنا رغم كل ذلك.
الاعتراف التوسعي يتطلب منا أن نتوقف عن الحكم على أنفسنا بصرامة وأن نتقبل أننا بشر، نخطئ ونتعلم من أخطائنا.
هذه العملية تسمح لنا بأن نشعر بالراحة والأمان في علاقاتنا مع الآخرين، حيث نكون موصولين بشكل أعمق مع تجاربهم وتحدياتهم. عندما نتمكن من رؤية الجوانب المشتركة في معاناتنا، نصبح أكثر قدرة على تقديم الدعم والمساندة، وهذا من شأنه مساعدتنا على التغلب على شعور العار.
الاعتراف التوسعي ليس مجرد فلسفة أو وجهة نظر، بل هو شعور يمكننا أن نختبره في حياتنا اليومية. كم مرة شعرت بأنك لست وحدك في معاناتك؟ أو اكتشفت أن شخصًا آخر مر بتجربة مشابهة لتجربتك؟ هذه اللحظات، التي يمكن أن تحدث مع الغرباء أو الأصدقاء المقربين، هي دليل على أن هذا النوع من الاعتراف يعزز شعورنا بالقبول ويجعلنا نرى أن معاناتنا جزء من التجربة الإنسانية المشتركة.
وفقًا لبرايس، يتطلب هذا النوع من التفاعل أن نكون مستعدين لإظهار ضعفنا أمام الآخرين، وهذا ما يعزز الثقة المتبادلة. عندما نسمح لأنفسنا بأن نكون "مكشوفين" أمام الآخرين، نكتشف القوة في تلك اللحظات الهشة، لأننا ندرك أننا لسنا وحدنا في هذا العالم.
إذا أردنا أن نتجاوز العار، يجب أن نتعلم كيفية التكيف مع واقعنا بدلاً من محاولة الهروب منه. فبدلاً من البحث عن الكمال أو الانغلاق في مشاعر الخجل، يجب أن نبحث عن طرق لتقديم أنفسنا بشكل صادق وأصيل، مع قبول عيوبنا كما هي.
البحث عن التوازن بين القبول والتغيير هو المفتاح. لا يعني ذلك الاستسلام لعيوبنا، بل يعني التعايش معها بطريقة صحية. في الوقت نفسه، يجب أن نعمل على تغيير الجوانب التي نراها غير مفيدة أو التي تضر بنا، مع الحفاظ على احترام الذات.
التغلب على العار ليس أمرًا سهلًا، لكنه رحلة تستحق السعي إليها. عندما نتعلم أن نكون أكثر قبولًا لأنفسنا وأن نرى الجمال في عيوبنا، نصبح أكثر قدرة على بناء علاقات حقيقية ومستدامة. من خلال الاعتراف التوسعي، يمكننا أن نحقق التواصل العميق مع الآخرين، وأن نعيش حياة مليئة بالمعنى الحقيقي بعيدًا عن تأثيرات العار المدمرة.