منذ أن انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت تشغل جزءًا كبيرًا من حياة المراهقين، لتتحول إلى عالمهم الافتراضي، حيث يجدون الترفيه والتواصل، وأحيانًا التوجيه.
لكن، ما مدى تأثير هذه المنصات على صحتهم النفسية وسلامتهم العامة؟ وكيف يمكن للأهل المساهمة بحماية أبنائهم من الآثار السلبية لها؟
في فترة الثمانينيات والتسعينيات، كانت قنوات مثل "MTV" تجذب انتباه الجيل الشاب عبر مقاطع الفيديو الموسيقية، وبرامج الواقع. كانت تلك البرامج بالنسبة للشباب، آنذاك، تمثل نافذة على العالم الخارجي، وتغذي تطلعاتهم، وترفيههم.
ومع انتشار الهواتف الذكية، باتت وسائل التواصل الاجتماعي تمثل، اليوم، ما كانت تمثله تلك القنوات للأجيال السابقة، مع الفارق الكبير بأن عالم الإنترنت غير مقيد، ويزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.
اليوم، يجد الأهل أنفسهم في مواجهة عالم غير معروف تماماً بالنسبة لهم، حيث يصعب عليهم متابعة أحدث المنصات التي يستخدمها أبناؤهم، أو فهم التفاعل الذي يحدث فيها.
رغم ذلك، يمكن للأهل أن يتخذوا خطوات فعالة للحد من تأثيراتها السلبية عبر بناء وعي حول أهمية إدارة الوقت وأسس الأمان الإلكتروني.
تُظهر الأبحاث أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للمراهقين، فقد يؤدي إلى تدني احترام الذات، وارتفاع معدلات الاكتئاب. ومن هنا، يصبح دور الأهل أساسًا في دعم أبنائهم لتحقيق توازن بين العالم الافتراضي والواقع، عبر بعض النصائح المفيدة:
يساعد الحد من الوقت الذي يقضيه المراهقون على وسائل التواصل في تعزيز قدرتهم على التعامل مع تحديات الحياة الواقعية. يمكن للأهل تنظيم أنشطة ترفيهية بديلة، خاصة تلك التي تتطلب تفاعلاً حقيقيًا وتشاركًا معهم.
تلعب المدرسة دورًا في تنظيم استخدام الهواتف خلال اليوم الدراسي، فالعديد من المؤسسات التعليمية بدأت بمنع استخدام الهواتف خلال ساعات الدراسة. لذلك، على الأهل دعم هذه السياسات والتأكيد على أهمية التركيز في الأنشطة المدرسية بعيدًا عن شاشات الهواتف.
تشجيع الأبناء على ضبط حساباتهم على "خاص" يحد من تعرضهم لمتابعة الغرباء، وتفاعلهم مع أشخاص غير معروفين.
يمكن أن يكون تواصل الأهل مع أبنائهم على نفس المنصات وسيلة فعالة للرقابة؛ مع العلم أن بعض المراهقين قد يمتلكون أكثر من حساب للتفاعل بطرق مختلفة مع فئات معينة.
العديد من مقدمي خدمات الإنترنت والتطبيقات تتيح إعدادات رقابة أبوية تساعد الأهل في مراقبة استخدام أبنائهم للإنترنت. يمكن للأهل الاستفادة من هذه الخيارات لضمان متابعة نشاط الأبناء عن بُعد دون التدخل المباشر.
التحدث بشكل منتظم مع الأبناء حول مخاطر العالم الرقمي يساهم في تعزيز وعيهم وتوجيههم. قد يكونون غير متجاوبين في البداية، لكن الحوار الصادق والمستمر يساعدهم على إدراك مخاوف الأهل وحبهم لهم. يمكن أيضًا التحدث عن الجوانب الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي مثل مقاطع الفيديو التعليمية والتفاعلات الإيجابية.
إشراك الأبناء في حديث مفتوح حول مسؤولية النشر والمشاركة على الإنترنت أمر مهم. فكل منشور يبقى جزءًا من "بصمتهم الرقمية"، التي قد تؤثر على سمعتهم مستقبلاً.
يجب توضيح أن التنمر الإلكتروني ليس مجرد مشكلة بسيطة، بل يمكن أن تكون له تبعات قانونية؛ إذ يمكن أن يُعد نشر محتوى مسيء أو مقاطع غير لائقة جريمة في بعض الأحيان. لهذا، ينبغي على الأهل توعية أبنائهم بعدم مشاركة المحتوى الضار، وحثهم على الإبلاغ في حالة تعرضهم هم أو أصدقائهم للتنمر.
يجب أن يعي الأبناء أن العالم الرقمي مليء بالصور والفيديوهات التي قد لا تعكس الواقع. فالكثير مما يرونه على وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون معدلاً أو مبالغًا فيه، لذا عليهم ألا يقارنوا حياتهم بما يرونه في هذا العالم الافتراضي. وعلى الآباء تكرار هذا الحديث على مسامعهم في كل مرة يشعرون فيها أن أطفالهم مهزوزون من ناحية ثقتهم بأنفسهم.
في النهاية، تظل وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً من حياة المراهقين يصعب تجاهله. لذا، من المهم للأهل إيجاد توازن بين توجيه أبنائهم ومنحهم الحرية. بالمراقبة الذكية والتواصل المستمر، يمكن للأهل المساهمة في تقليل تأثيرات وسائل التواصل السلبي، لتبقى مكانًا آمنًا يجمع بين الترفيه والتعلم.