الأزياء السريعة وموضة المستقبل

موضة
شارلين الديك
6 نوفمبر 2023,6:18 م

يشكل عالم الأزياء وصناعته واحداً من الركائز الأساسية في الاقتصاد العالمي والبورصة، لكن آثاره على كوكب الأرض والطبيعة لم تعد تحتمل، وتزامناً مع فعاليات مؤتمر الأطراف "كوب 28" الذي تستضيفه دولة الإمارات، اخترنا أن نلقي الضوء على الأزياء السريعة وأثرها على عالمنا والبيئة.

موسم جديد، يبشر بأنماط أزياء جديدة، يدفع المستهلك لشراء المزيد وأحياناً اختيار الملابس ذات الأسعار الزهيدة، والتوجه إلى الخزانة لرمي الأزياء القديمة. تزيد هذه العملية التلوث والنفايات الناتجة عن هذه الأزياء السريعة، من الصناعة إلى الاستهلاك.

صحيح أن خيارات الموضة المستدامة أصبحت أكبر، لكن غالباً ما يتوجه المستهلك إلى الخيارات الأسهل، والتي تتمثل في العلامات التجارية التي تقدم الأزياء السريعة.



ما هي الموضة السريعة؟

الموضة السريعة، مصطلح مستخدم للملابس التي تنتج بكميات كبيرة وترسل إلى المتاجر للاستفادة من اتجاهات الموضة السائدة، وغالباً ما تعتمد الشركات التي تنتج هذه الأزياء على التصاميم المقدمة ضمن أسابيع الموضة العالمية أو تلك التي يعتمدها المشاهير، حيث تتيح الموضة السريعة للمستهلكين العاديين شراء التصاميم الجديدة بأسعار مناسبة.

التسوق بين الأمس واليوم

كان التسوق في وقت سابق يعتبر حدثاً مهماً للأفراد، يحدث خلال أوقات معينة من العام، لكن الصورة تغيرت في أواخر التسعينيات ليصبح التسوق شكلاً من أشكال الترفيه، وتزايد الإنفاق على تسوق الملابس، بعد أن أدخلت الموضة السريعة الملابس الرخيصة والعصرية المقلدة، التي يتم إنتاجها بكميات كبيرة وتكلفة منخفضة، تسمح للمستهلكين باعتماد تصاميم مشابهة لتلك التي لفتتهم على منصات عروض الأزياء أو تلك التي تعتمدها الفنانات.

انتشار الموضة السريعة

أصبحت الموضة السريعة شائعة بسبب أساليب التصنيع والشحن الرخيص والسريع، وزيادة إقبال المستهلكين وقوتهم الشرائية، ونتيجة كل هذا أصبحنا نرى نسخاً من تصاميم العلامات التجارية الكبيرة موجودة في متاجر التجزئة التي تقدم هذه الأزياء السريعة، حتى أنها تجدد مجموعات الأزياء التي تقدمها بسرعة فائقة تصل إلى أن تطرح منتجات جديدة مرات عدة في الأسبوع.

بين المنافع والمساوئ

تؤمن المتاجر التي تتبع تيار الموضة السريعة فرص عمل لعدد كبير من الأشخاص في جميع المجالات، وتحرك العجلة الاقتصادية وتتيح للمستهلك الأزياء بأسعار مناسبة وتقدم له مجموعات وخيارات كبيرة، إلا أن لهذه الإيجابيات تأثير سلبي على البيئة وصناعة الملابس بحد ذاتها، حيث تستخدم هذه المتاجر المواد الرخيصة لصناعة الملابس، لتقدمها بأسعار منخفضة تناسب جميع المستهلكين، وغالباً ما يختار المستهلك هذه الأزياء بالرغم من نوعيتها التي لا تعتبر جيدة، فهو يفضل شراء عدد كبير من الملابس، بدل شراء الملابس الباهظة الثمن التي تدوم لفترة أطول بكمية أقل، كما أن هذه الأزياء تضر البيئة بشكل كبير، فالموضة السريعة تساهم في التلوث وتزيد كمية النفايات بسبب المواد الرخيصة وطرق التصنيع، وغالباً ما تكون هذه الأزياء غير قابلة لإعادة التدوير، نظراً إلى نسبة المواد الصناعية التي تصنع منها، كما أنها تتعفن في مدافن النفايات لسنوات عند التخلص منها، وتطال الموضة السريعة الملكية الفكرية أيضاً، فهذه الشركات تنسخ تصاميم العلامات التجارية الكبيرة بشكل غير قانوني وتنتجها بكميات كبيرة.



الموضة البطيئة

تم طرح هذا المفهوم للمرة الأولى عام 2008، وهو يعني استخدام المصانع في عملية التصنيع، مواد صديقة للبيئة، من خلال التصنيع المدروس مع التركيز على الجودة والكمية، والهدف هو تصنيع أزياء ذات نوعية جيدة، في شركات تتبع استراتيجيات سليمة للتخلص من النفايات الكيميائية والصلبة، واستخدام المواد القابلة لإعادة الاستخدام والمعاد تدويرها.

الاستدامة والعلامات التجارية العالمية

أصبح المستهلك اليوم أكثر وعياً واطلاعاً على نتائج صناعة الأزياء السريعة على البيئة، وهذا ما دفع العلامات التجارية العالمية إلى اعتماد الموضة المستدامة على طريقتهم الخاصة.

فدار Gucci مثلاً دخلت عالم الاستدامة عام 2011 عندما قدمت نظارات صديقة للبيئة، واستمرت في هذا المسار حيث توقفت عن استخدام الفراء وأطلقت مفهوم Gucci Equilibrium الذي يعزز مفهوم الاستدامة الذي تتبعه.  كما أنها قدمت مؤخراً نسخة جديدة من حقيبتها الأيقونية "هورسبيت 1955"، مصنوعة من مادة "ديميترا" الخالية من المواد الحيوانية، تماشياً مع أهداف الدار نحو الاستدامة.



انتشر مفهوم الاستدامة بين العلامات التجارية الكبيرة، التي قرر بعضها التوقف عن استخدام جلود الحيوانات أو الفرو، مثل Chanel وCoach وLongchamp وغيرها الكثير.



أما Stella McCartney فهي من أوائل الذين اتبعوا مسار الاستدامة، عندما تم تأسيسها عام 2001، حيث أثبتت أنه من الممكن إطلاق علامة تجارية فاخرة ناجحة، من دون استخدام جلود وفراء الحيوانات، وقد استخدمت بدائل تتميز بجودتها كما أنها صديقة للبيئة.



كما نرى أن تيار العلامات التجارية المحلية في دولنا العربية، الذي يشجع على اعتماد الأزياء المستدامة، ينمو بشكل ملحوظ. وهذا يشجعنا أكثر ويفتح المجالات أمام المستهلك الذي يبحث عن بدائل صديقة للبيئة والإنسان.

وفي النهاية ما علينا سوى أن نختار بين أسلوب الحياة المستدام واتجاه الموضة البطيئة، أو الاستمرار في اتباع أسلوب الحياة الأسهل والأسرع، واختيار الموضة السريعة التي تعمل على تدمير الطبيعة ومستقبل كوكبنا.

google-banner
foochia-logo