ناقش أكاديميون ومبدعون أهمية إعادة الاعتبار لدراسة الأدب في الجامعة المغربية، وضرورة أن تواكب المؤسسة الجامعية تحديات الرقمنة دون التخلي عن جوهر المعرفة الإنسانية.
جاء ذلك في ندوة أقيمت ضمن فعاليات الدورة الـ25 من "عيد الكتاب بتطوان"، بعنوان "الجامعة وسؤال الأدب"، وشهدت حضورًا نوعيًا من الطلبة والمثقفين والأساتذة وجمع من المهتمين.
شارك في ندوة "الجامعة وسؤال الأدب"، الدكتور الطيب الوزاني الشاهدي، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، والدكتور أحمد هاشم الريسوني، والشاعر ورئيس شعبة اللغة العربية وآدابها، الدكتور محمد العناز، والشاعر وأستاذ النقد الأدبي والفني، والدكتورة سعاد مسكين، أستاذة النظرية الأدبية والثقافة الرقمية في المدرسة العليا للأساتذة.
استهل الدكتور الطيب الوزاني الشاهدي، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، مداخلته بالتأكيد على أن الأدب يُمثل فضاءً للإبداع والتخييل، لكن الواقع الرقمي المتسارع فرض هيمنة جديدة للمظاهر التكنولوجية على الحياة اليومية. وطرح تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت الجامعة، في شكلها الحالي، ما تزال تقدم قيمة مضافة في عصر باتت فيه المهارات الحديثة تتصدر المشهد.
ودعا إلى ضرورة إعادة التفكير في مآلات الواقع، محذرًا من تراجع مكانة الأدب داخل الفضاء الجامعي، ومؤكدًا أن الإبداع الأدبي لا يمكن أن ينفصل عن التنمية، ولا يجوز تغييب الدرس الأدبي من الحرم الجامعي. كما أشار إلى أننا نعيش لحظة حرجة تستوجب الدفاع عن الأدب وقيمته الرمزية والمعرفية، حتى لا نفقد الطلبة لصالح تيارات اختزالية للمعرفة.
من جانبه، عبّر الدكتور أحمد هاشم الريسوني، الشاعر ورئيس شعبة اللغة العربية وآدابها، عن شكره للجهات المنظمة على تكريم اسم الراحل مالك بنونة، الذي يحمل رمزًا ثقافيًا لتطوان.
واعتبر الريسوني أن العلاقة بين الجامعة والأدب علاقة معقدة لكنها أساسية، مشيرًا إلى أن الأدب العربي حديث نسبيًا مقارنة بغيره، وأن اللغة تشكل أساسه المتين، لكونها مرتبطة بالذات وبالهوية القومية.
وأكد أن الجامعة مطالبة اليوم ببناء وعي نقدي لدى الطلبة من خلال إبراز البنيات المختلفة للنصوص، والانفتاح على السياقات الاجتماعية والثقافية التي ينتج فيها الأدب. وشدد على أن الأدب يمثل قناة لفهم الذات والآخر، وهو ما يعزز وظيفة الجامعة كحاضنة للمعرفة والوعي الإنساني.
أما الدكتورة سعاد مسكين، أستاذة النظرية الأدبية والثقافة الرقمية، فقد قاربت الموضوع من زاوية نقدية وتربوية، من خلال طرحها لثلاثة أسئلة محورية: كيف ندرس الأدب؟ لماذا ندرسه؟ وما الذي تطمح إليه الجامعة في ظل الثورة الرقمية؟
ورأت أن التخصصات الجامدة تقتل روح المعرفة، وأن الجامعة اليوم لا تمنح الطالب فسحة للابتكار والإبداع، داعية إلى استثمار التكنولوجيا، مثل الهواتف الذكية والكتب الرقمية، كوسائط لإحياء الذائقة الأدبية.
وأكدت مسكين أن القراءة والكتابة وجهان لعملة واحدة، وأن العودة إلى الأدب كنافذة للمعرفة باتت ضرورية في ظل ما يشهده العالم من تحولات. كما دعت إلى تشجيع النوادي الأدبية داخل الجامعات وربط تدريس الأدب بالرقمنة، لتكوين أجيال قادرة على الإبداع الرقمي.
اختتم الندوة الدكتور محمد العناز، الشاعر وأستاذ النقد الأدبي والفني، بكلمة حملت أبعادًا وجدانية وثقافية عميقة، حيث أكد أن تطوان ظلت عبر التاريخ حاضنة للفن والجمال، وأن الجامعة المغربية، ومنذ تأسيسها، ساهمت في بناء إنسان منفتح يؤمن بالاختلاف.
وشدد العناز على أن الجامعة والأدب هما ركيزتان أساسيتان لبناء وجدان الأمة، داعيًا إلى عدم اختزال الدرس الأدبي داخل الفصول، بل جعله أداة لصياغة هوية وطنية وذاكرة جماعية.
كما استحضر تجربة الأديب محمد أنقار الذي تمكن من إيصال روح تطوان إلى الخارج من خلال نصوصه الأدبية. واعتبر أن دراسة الأدب داخل الجامعة ليست فقط مسألة معرفية، بل هي مسؤولية لحماية ذاكرة المغرب ومستقبله الثقافي.
وختم بتوجيه التحية لكل الأدباء والمبدعين في تطوان، داعيًا إلى تعزيز الضيافة الثقافية والاحتفاء بالأدب كوسيلة لإنتاج المعنى والقلق الإيجابي للسؤال.