"يعتقد الناس أني لست بعيداً عن الموت، لكني سأحاول قدر المستطاع أن أمنع نفسي من أن أموت"، هذا ما قاله ساحر الموسيقى الكلاسيكية، الياباني سيجي أوزاوا، في آخر تصريحاته الصحيفة التي تعود لعام 2014.
واليوم بعد 10 أعوام، تعلن عائلة الموسيقي النابغة الشغوف بالموسيقى الفرنسية، وفاته عن عمر يناهز 88 عاماً، في مسقط رأسه طوكيو.
يعتبر أوزاوا أحد أكثر قادة الفرق الموسيقية جاذبية في القرن العشرين، كما وصفته صحيفة لوفيغارو الفرنسية. حتى عندما تحولت كتلة شعره السوداء إلى اللون الأبيض تمامًا، وأصبح وجهه يشبه تفاحة مجعدة، كانت رؤيته على المنصة ما تزال مشهداً رائعاً، وهو يرقص بمرونة قططية جعلت كل الموسيقى التي يقودها تصميمًا رقصيًا بديعاً. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، كان عليه أن يبتعد أكثر فأكثر عن المسرح، بسبب إصابته بسرطان المريء ثم بسبب عدة عمليات جراحية في الظهر، دون أن يفقد تفاؤله وابتسامته على الإطلاق.
العزف على البدايات
ولد أوزاروعام 1935 في الصين من أب كان طبيب أسنان وأم كانت عازفة بيانو، في مقاطعة منشوريا الصينية، التي كانت آنذاك مستعمرة يابانية، ودرس في طوكيو تحت إشراف المعلم العظيم هيديو سايتو، هذا المعلم العبقري الذي كرس حياته لبناء الحياة الموسيقية الكلاسيكية في اليابان. كان سايتو قد ذهب للدراسة في لايبزيغ لاختراق أسرار موسيقى باخ، قبل أن يعود إلى طوكيو حيث جلب مدرسين أوروبيين ممتازين: الألمانية للآلات، والفرنسية للنظرية. وفي العاصمة أيضًا، أتقن مهاراته تحت قيادة الشيف يوجين بيغو، الذي أطلق عليه اسم "السيد ميترونوم"، لأنه كان متطلبًا للغاية فيما يتعلق بالانتظام.
كسر إصبعين فاعتلى المنصة
بعد كسر إصبعين من أصابعه أثناء ممارسته رياضة الركبي - وهي من هواياته الأخرى - عندما كان مراهقاً، تحوّل إلى قيادة الأوركسترا، وانتقل أوزاوا إلى الخارج في عام 1959 والتقى ببعض من أبرز الشخصيات في عالم الموسيقى الكلاسيكية، بينهم النمسوي هربرت فون كارايان، والمؤلف الموسيقي وقائد الأوركسترا ليونارد بيرنشتاين، وأصبح مساعداً لهذا الأخير في أوركسترا نيويورك الفيلهارمونية في الولايات المتحدة خلال موسم 1961-1962.
ثم قاد فرق أوركسترا شيكاغو (الولايات المتحدة)، وتورنتو (كندا)، وسان فرانسيسكو (الولايات المتحدة)، وشغل منصب المدير الموسيقي لأوركسترا بوسطن السيمفونية (الولايات المتحدة) لمدة 29 عاماً، وقد أُطلق اسمه على إحدى قاعات الحفلات التابعة لها.
ترك منصبه في عام 2002 ليصبح القائد الرئيسي لأوركسترا دار أوبرا فيينا في النمسا، حتى عام 2010.
وأوضح أوزاوا في مقابلة مع وكالة فرانس برس في عام 2013 من طوكيو: "يتمتع الموسيقيون الآسيويون بالتقنية والمعرفة. ولكن لعزف الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية، يجب الذهاب إلى هناك (أوروبا) لكي نشعر بها".
ورغم تنقله بين أبرز عواصم الموسيقى الكلاسيكية في العالم، ظل سيجي أوزاوا متمسكاً بجذوره اليابانية. وقد أسس خصوصاً في عام 1984 أوركسترا سايتو كينن الدولية، قبل أن ينشئ في عام 1992 مهرجاناً بات يحمل اسمه منذ 2014 واستحال موعداً سنوياً رئيسياً للفنانين اليابانيين.
المرض يعلن النهاية
وقد طبع المرض نهاية حياته المهنية، بعد تشخيص إصابته بسرطان المريء في عام 2010 وشفائه منه، فضلاً عن إصابته مرات عدة بالالتهاب الرئوي، وتعرضه لكسر في الورك، ومشكلات في القلب والأوعية الدموية، ما أجبره على إلغاء مشاركته في الحفلات بصورة متكررة.