تصاعدت شعبية الأعمال الدرامية المستوحاة من جرائم ووقائع حقيقية في الآونة الأخيرة، وأصبحت عنصر جذب قويً للجمهور الذي يجد فيها فرصة للتعرف إلى خبايا القضايا المثيرة التي شغلت الرأي العام.
هذه النوعية من الدراما، رغم كونها ليست جديدة على الساحة الفنية، فإنها تشهد تطورًا ملحوظًا في طريقة التناول والمعالجة، ما يجعلها محط اهتمام النقاد والجماهير على حد سواء.
تعد تجربة تحويل برنامج "القصة كاملة" للإعلامي سامح سند إلى مسلسل درامي خطوة جديدة تُبرز التطور الذي تشهده صناعة الدراما. سامح سند، الذي طالما حلم بهذه النقلة النوعية، يرى أن هذا التحول يعكس اهتمام صنّاع الدراما بالاستفادة من القصص الواقعية لتقديم محتوى يجذب الجمهور. العمل المنتظر من المتوقع أن يقدم قصصًا مثيرة وقضايا شغلت الرأي العام.
من بين أبرز الأعمال المنتظرة، يأتي المسلسل المستوحى من قضية "سفاح التجمع"، وهي إحدى أكثر القضايا المأساوية التي شهدها المجتمع المصري. الجريمة التي ارتكبها المتهم كريم محمد سليم، الذي قتل ثلاث سيدات، وألقى بجثثهن في الصحراء، أثارت صدمة كبيرة، ووُثِّقَت دراميًا في عمل من بطولة الفنان أحمد الفيشاوي.
يُعرض حاليًا مسلسل "ساعته وتاريخه"، الذي يستمد أحداثه من كتاب «يوميات قاضٍ وحكايات قضائية» للمستشار بهاء المري. يتناول المسلسل قصصًا حقيقية مستوحاة من ملفات القضاء المصري، مثل جريمة الابتزاز الإلكتروني، قضية نيرة أشرف، وجرائم الإنترنت المظلم.
في إحدى أبرز الحلقات المثيرة للجدل، تناولت الحلقة السادسة من مسلسل "ساعته وتاريخه" جريمة بشعة وقعت ضحيتها شاب صغير. القصة كشفت عن عالم الإنترنت المظلم (Dark Web)، إذ استدرج الجناة الضحية، وصوروا جريمتهم ونشرها لتحقيق مكاسب مالية. جاءت الحلقة من تأليف ريم نهاد حماد وإخراج عمرو موسى، وأثارت تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
تُظهر هذه الأعمال الدرامية قدرة الدراما على إعادة صياغة الجرائم الواقعية بشكل يحفز النقاش المجتمعي، حيث تقدم رؤية جديدة تسلط الضوء على الجوانب الأخلاقية والقانونية، مع التركيز على التوعية بمخاطر القضايا المعاصرة مثل الجرائم الإلكترونية والابتزاز.
تبقى الدراما المستوحاة من الجرائم الحقيقية نافذة تطل على الواقع، وتُظهر مدى تأثير الأحداث اليومية على المجتمع، محققة نسب مشاهدة مرتفعة ومثيرة للجدل في الوقت نفسه.
الناقدة المصرية ماجدة موريس، سلّطت الضوء على أهمية هذه النوعية من الأعمال، مشيرة إلى أنها سلاح ذو حدين، إذ تحمل إمكانيات إبداعية كبيرة، لكنها في الوقت ذاته تحتاج إلى التوازن في الطرح والمعالجة لتجنب التأثير السلبي على الجمهور.
في تصريحات خاصة لموقع "فوشيا"، أكدت الناقدة المصرية ماجدة موريس أن الأعمال الدرامية المستوحاة من الجرائم والوقائع الحقيقية ليست ظاهرة جديدة، لكنها تظل مغرية للكثير من صناع الفن، بسبب جاذبيتها للجمهور وارتباطها بقضايا تثير اهتمامهم.
ترى ماجدة موريس أن الدراما وسيلة قوية لمناقشة وعرض قضايا المجتمع، لكنها تؤكد أن نجاح هذه الأعمال يتوقف على طريقة معالجة القضية الدرامية. التوازن في طرح الموضوعات مطلوب لضمان إتاحة خيارات متنوعة للمشاهد، بحيث لا تقتصر الشاشة على لون درامي واحد.
أشارت الناقدة إلى ضرورة وجود حدود في عرض الجرائم وأحداثها الدرامية، مؤكدة أن الأمر يعتمد على وعي صناع الدراما وقدرتهم على معالجة هذه القضايا بشكل مسؤول. يجب تجنب الضغط على عقلية المشاهد بتكرار مشاهد القتل والعنف وتبعاتها، لأن ذلك قد يؤثر سلبًا في التجربة الدرامية، وفي الجمهور نفسه.
طالبت موريس بالتنويع في تقديم القضايا الاجتماعية المختلفة ضرورة لتجنب التركيز على الجرائم فقط، حتى لا يؤثر سلبًا في الجمهور.
تشدد ماجدة موريس على أن دراما الجرائم الحقيقية تظل نوعًا دراميًا جذابًا، لكنها تحتاج إلى معالجة متوازنة ومسؤولة تراعي عقلية المشاهد وتقدم رؤية أوسع عن المجتمع، بعيدًا عن التركيز فقط على الجانب المظلم منه.