لطالما كانت الموسيقى أداة تعبيرية قوية، سواء أكانت تروي قصة حب، أم تصف ألم الفقد، ولعل أكثر ما يظهر في الأوقات الصعبة هو كيف يلجأ الفنانون إلى أغانيهم كوسيلة للتعبير عن مشاعرهم تجاه الأحزان والخسائر، فقد أصبحت الأغنية بمنزلة رسالة وداع أو تأبين لذويهم، كما تحولت إلى أداة للتعبير عن الحب والوفاء، وأحيانًا الحزن العميق.
في هذا التقرير يلقي موقع "فوشيا " الضوء على بعض الفنانين الذين قدموا أغاني خصيصًا لأرواح أحبابهم الذين فقدوهم، مُخلِّدين ذكراهم من خلال الكلمات والموسيقى، إذ تكون الأغاني التي تُهدى للأحباء الراحلين جزءًا من إرث الفن العربي، تعبيرًا عن مشاعر لا يمكن للكلمات أن تصفها بالكامل.
في لفتة إنسانية مؤثرة، أطلق خلال الساعات الماضية المطرب إيساف أغنيته الجديدة "حتة مني" التي خصصها لإهدائها لشقيقه الراحل نمازي جبل، الذي وافته المنية في 24 سبتمبر بعد تعرضه لجلطة قلبية مفاجئة في أثناء قيادة سيارته، جاء هذا الحدث المفجع بعد أيام قليلة من احتفاله بعيد ميلاده، ليترك صدمة في قلوب من حوله.
الأغنية التي تحمل طابعًا حزينًا، كتب كلماتها الشاعر أحمد شكري، ولحنها وليد سامي، ووزعها بيشوي مجدي، أما الإخراج فكان من نصيب طارق حسين، ورغم الأجواء الحزينة التي سيطرت على الأغنية، فإنها تحمل رسالة تأبين وشكر لروح الراحل، وقد شارك إيساف الأغنية عبر حسابه على "إنستجرام"، ليعبر عن حزنه العميق قائلًا: "لما ماتت أمي عشت الحياة جسدًا من غير روح، لما مات أبويا خضت حروب الحياة من غير قائد، ولما مات أخويا اتكتب عليا حياة من غير سند".
أما المطرب الشعبي إسماعيل الليثي، فلا يزال يعيش في قلبه جرح نازف على فراق ابنه الراحل كما يحب مناداته بـ ضاضا، الذي توفي في حادث مأساوي عندما سقط من الطابق العاشر لأحد الأبراج السكنية، كان للحادث وقع كبير على إسماعيل وعائلته، إذ فارق ضاضا الحياة عن عمر 9 سنوات فقط، تاركًا وراءه ألمًا لا يمكن تحمله.
وقد قرر إسماعيل الليثي أن يقدم للجمهور أغنية بعنوان "ابن عمري"، وهي أغنية حزن ووداع تكشف عن العلاقة العاطفية العميقة التي كانت تربطه بابنه الراحل، والأغنية من كلمات الشاعر محمد النجار، وألحان محمد عبد المنعم، بينما وزعها يحيى عمر الكمانجا، وطرحها إسماعيل عبر مختلف المنصات الإلكترونية، لتعبر عن مشاعره تجاه ابنه الذي فقده على نحو مفاجئ.
من جانب آخر، أطلق الفنان "أبو" أغنيته "فارق ع الكل"، التي هي جزء من ألبومه الجديد الذي يحمل اسم الأغنية نفسه، والأغنية هي تأبين للعديد من الأشخاص الذين رحلوا عن الحياة، لتكون بمنزلة تقدير لهم ولأثرهم الكبير في حياة الفنان، وكلمات الأغنية كتبها حسام سعيد، بينما لحنها محمد النادي، ووزعها رامي سمير.
وتتناول أغنية "فارق ع الكل" فكرة التفرد والتميز، وتصف الجمال الروحي والفكري الذي يميز كل شخص عزيز على قلب صاحبه، تتخللها كلمات رومانسية مليئة بالحنين لمن فقدوا، مثل "لا ولا زيك حد شاف، موهوب في فن الاختلاف، فيه حاجات كتير بتميزك"، وهي رسالة تذكر الجميع بأهمية تقدير الأشخاص الذين نحبهم في حياتنا قبل فوات الأوان.
المطرب الكبير جورج وسوف، من ناحيته، اختار أن يوجه أغنيته الأولى بعد وفاة ابنه وديع في يناير 2023 إلى روحه.
وكان وديع قد توفي بعد عملية جراحية، وقرر والده أن تكون أولى أغانيه "نص عمري"، هدية لابنه الراحل.
الأغنية في عالم الفن ليست مجرد وسيلة للترفيه أو التعبير عن الحب، بل أصبحت أيضًا وسيلة للتعبير عن الحزن والألم العميقين، من خلال كلمات بسيطة وألحان مؤثرة، يستطيع الفنانون الوصول إلى قلوب جمهورهم بطريقة لم تعد قاصرة على الترفيه فحسب، بل تحمل رسائل إنسانية عميقة تتحدث عن الفقد والذكريات، فكل أغنية تقدم اليوم من هؤلاء الفنانين هي بمنزلة رحلة روحانية وداعية تخلد الذكريات، وتخفف وطأة الحزن.