في عالم مزدحم بالأنماط الفنية المتكررة، برز المغني الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم، كظاهرة فريدة لا تشبه أحدًا. بصوته البسيط وأغانيه التي تخاطب الشارع، استطاع أن يكون لسان حال البسطاء، معبرًا عن قضاياهم وهمومهم بجرأة غير مسبوقة، لم يكن مجرد مطرب شعبي، بل كان صوتًا يحمل رسالة، ونجمًا كتب اسمه في قلوب الملايين رغم كل التحديات. في ذكرى رحيله، نستعيد حكاية "شعبولا"، الذي غنى للسياسة والوطن والبسطاء، ليترك بصمة لا تُنسى في ذاكرة الفن المصري والعربي.
تمر اليوم الثلاثاء ذكرى وفاة الفنان الشعبي شعبان عبد الرحيم، الذي غادر عالمنا في 3 ديسمبر العام الماضي. شعبولا، كما أحب جمهوره أن يناديه، كان حالة استثنائية في عالم الفن الشعبي، جمع بين العفوية والبساطة، وأصبح رمزًا لصوت البسطاء، بأغانٍ عبرت عن قضاياهم وهمومهم، وحققت شهرة واسعة تجاوزت حدود مصر.
رحل شعبان عبد الرحيم عن عمر يناهز 62 عامًا إثر أزمة قلبية حادة، بعد أيام من عودته من المملكة العربية السعودية، حيث شارك في "موسم الرياض". عانى في أيامه الأخيرة من مشكلات صحية أبرزها كسر في القدم، وهو ما تطلب جراحة لتركيب مسامير. عقب عودته إلى مصر، ارتفعت درجة حرارته، ما استدعى نقله إلى المستشفى، لكن القدر لم يمهله طويلًا، ليرحل تاركًا خلفه إرثًا فنيًا كبيرًا.
رغم أميته وعدم إجادته القراءة والكتابة، كان شعبان عبد الرحيم حاضرًا في متابعة الأحداث السياسية، ونجح في تحويل أغانٍ بسيطة إلى صرخات تعبر عن مواقف شعبية جريئة. أغنيته الشهيرة "أنا بكره إسرائيل"، التي أطلقها العام 2001، لاقت انتشارًا واسعًا في مصر والعالم العربي، إذ عبّرت عن غضب شعبي تجاه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأصبحت أيقونة تعكس قدرة الفن على التأثير عندما يمس هموم الناس.
لم يخجل شعبان عبد الرحيم من بداياته المتواضعة كمكوجي، بل كان دائمًا يفخر بها. في أحد تصريحاته قال: أنا اتولدت فوق المكواة، ليؤكد ارتباطه بجذوره البسيطة، ورغم شهرته، ظل يفتخر بماضيه، وقرر في سنواته الأخيرة تنويع مصادر دخله، عبر فتح متجر للمكسرات أطلق عليه اسم "مقلى شعبولا"، في خطوة تعكس حنكته في مواجهة التحديات الحياتية.
شيع المصريون شعبان عبد الرحيم في جنازة مهيبة انطلقت من مسجد السيدة نفيسة، وسط حضور جماهيري حاشد، حيث دُفِن في مسقط رأسه بمحافظة القليوبية، وشهد عزاؤه في منطقة فيصل حضور العديد من نجوم الفن والسياسة، مثل: عمرو موسى، وهاني شاكر، وحكيم، في مشهد يعكس مكانته الكبيرة في قلوب المصريين.
سيظل شعبان عبد الرحيم رمزًا فريدًا للفن الشعبي الذي وصل إلى قلوب الملايين ببساطته وعفويته. أغانيه، التي جمعت بين الرسائل السياسية والمواقف الاجتماعية، ستبقى شاهدة على حقبة فنية مميزة، تؤكد أن الفن البسيط قد يحمل أعمق الرسائل وأكثرها تأثيرًا.