برؤية فنية متفردة وصوتٍ لا ينسى، نجح الفنان الكبير أبو بكر سالم في أن يكون أحد أعلام الغناء العربي والخليجي؛ إذ مزج بين التراث والأصالة بلمسة حداثية جعلت منه رمزاً خالداً في عالم الموسيقى.
وفي مسيرة امتدت لأكثر من نصف قرن، رسمت أعماله تجربة فنية استثنائية، جمعت بين قوة الكلمة وسحر اللحن.
وُلد أبو بكر سالم بلفقيه في 17 مارس 1939 بمدينة تريم، حضرموت جنوب اليمن، لأسرة علمية عريقة، ومع أنه فقد والده في سنٍ صغيرة، إلا أنه وجد الرعاية بين جده وأعمامه الذين غرسوا فيه حب العلم والأدب.
درس أبو بكر سالم العلوم الدينية واللغة العربية؛ ما ساهم في تشكيل ملكته الشعرية المبكرة، لينطلق أولاً في مجال التعليم قبل أن يأخذ قرار التحول إلى عالم الغناء، ويبدأ مسيرة صنعت منه أحد أبرز الأصوات الخليجية.
انطلقت رحلة أبو بكر سالم الفنية في عدن عام 1956، عندما سجل أولى أغنياته، وبعد ذلك بعامين، سافر إلى بيروت، حيث شهدت مسيرته نقلة نوعية مع نجاح أغنيته الشهيرة "24 ساعة" التي حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، لترسخ اسمه في الساحة العربية.
وتميز سالم بتقديمه ألواناً موسيقية متعددة، أبرزها الغناء الحضرمي والخليجي والصنعاني، كما أبدع في غناء القصائد الفصحى، ومنها أغنيات مثل "قال المعنى لمه" و"يا ورد محلى جمالك".
لم تقتصر موهبة أبو بكر سالم على الغناء، بل كان شاعراً وملحناً ترك بصمة مميزة، وقد أصدر ديوانه الشعري "ديوان شاعر قبل الطرب"، وكتب العديد من الأغنيات التي حملت أسلوبه الأدبي الفريد.
وتعاون أبو بكر سالم مع أبرز الشعراء مثل لطفي جعفر أمان، وحسين أبو بكر المحضار، كما لحّن لنجوم بارزين مثل وردة الجزائرية وطلال مداح.
خلال مسيرته الفنية، نال أبو بكر سالم العديد من الجوائز الرفيعة، منها "الكاسيت الذهبي" وجائزة "أوسكار الأغنية العربية"، بالإضافة إلى وسام "الثقافة" من منظمة اليونسكو.
كما منحته جامعة حضرموت الدكتوراه الفخرية تقديراً لإسهاماته الفنية، حيث وقف سالم على أكبر المسارح العالمية، منها قاعة ألبرت هول في لندن، ليُكرّس حضوره كفنان عالمي.
في 10 ديسمبر/كانون الأول 2017، غاب أبو بكر سالم عن عالمنا، لكنه ترك خلفه إرثاً موسيقياً خالداً امتد لأكثر من خمسين عاماً، وما زالت أغنياته وألحانه تنبض في قلوب عشاق الفن العربي، لتبقيه حاضراً رغم الغياب.
رحلة أبو بكر سالم ليست مجرد مسيرة فنية، بل هي ملحمة إنسانية أضاءت سماء الفن العربي، فمن تريم إلى عواصم العالم، حمل صوته رسالة الأصالة والتميز، ليظل اسمه عنواناً للإبداع ورمزاً للأغنية الخليجية التي عبرت حدود المكان والزمان.