في السادس عشر من أبريل العام 1889، شهدت إحدى الضواحي الفقيرة في لندن ولادة الفنان الذي سيصبح لاحقًا أسطورة السينما الصامتة، وأحد أعمدة الكوميديا السوداء، شارلي شابلن. منذ بداياته المتواضعة وحتى صعوده إلى قمة المجد، جسّد شابلن قصة إنسانية ملهمة ومؤثرة، عبّرت عن آلام البؤساء، وأحلام المهمّشين.
وُلد شارلي شابلن لعائلة تعمل في المجال الفني، إذ كان والده مغنيًا في فرقة مسرحية، بينما عملت والدته كممثلة في مسارح متواضعة. رغم جذوره الفنية، لم تحمه هذه الخلفية من مرارة الفقر؛ إذ هجر والده الأسرة، مما اضطر والدته لتحمل أعباء الإعالة، إلى أن أقعدها المرض، وأودعت في مصحة علاجية. عاش شابلن وحيدًا في طفولته، لكن حبه للمسرح، الذي اكتسبه من والدته، كان طوق النجاة الذي دفعه للانضمام إلى مسرح والديه ككومبارس، قبل أن يشق طريقه ليصبح نجمًا عالميًا.
كانت السينما الصامتة هي المسرح الذي أطلق شابلن إلى العالمية. قدم أول أدواره المميزة بشخصية "شارلو الصعلوك"، التي كرست اسمه كرمز للفقراء والمهمشين. انتقل للعمل في شركة "إساناي" العام 1915، حيث حصل على حرية الإخراج والإنتاج، ما مكّنه من تقديم أعمال خالدة، مثل: "الملاكم" و"المتشرد".
تميزت أفلام شابلن بسخريتها من الفوارق الطبقية، ونقدها الاجتماعي العميق، مسلطة الضوء على قضايا الإدمان، وصراع الغني والفقير، وآثار المجتمع الصناعي. أصبحت شخصية "المتشرد" أيقونة تعبر عن البساطة والأمل، محبوبة من الطبقات العاملة، بينما واجهت أفلامه انتقادات حادة من الطبقات البرجوازية، التي استاءت من سخريته اللاذعة.
رغم دخول الصوت إلى عالم السينما، أصر شابلن على تقديم أفلام صامتة تُبرز قوته الإبداعية. في العام 1931، أبدع في فيلمه الشهير "أضواء المدينة"، وبعدها قدم العام 1940 فيلم "الديكتاتور"، الذي جسّد فيه شخصية هتلر بطريقة كوميدية جريئة، ما أثار جدلًا واسعًا، وأدى إلى إبعاده عن الولايات المتحدة وانتقاله إلى سويسرا.
لم يكن شابلن مجرد فنان، بل مثقفًا ملتزمًا بقضايا عصره، وهو ما عرّضه لاتهامات بالتعاطف مع الشيوعية، خاصة بعد فيلمه "العصور الحديثة" العام 1936، الذي انتقد فيه النظام الرأسمالي. ورغم هذه الاتهامات، لم يتخلَ شابلن عن تقديم أعمال تُدهش العالم بقوتها الفنية والإنسانية.
في لحظة مهيبة، وأمام حشد من مشاهير هوليوود، تسلم شابلن جائزة الأوسكار عن مجمل أعماله، حيث وقف على منصة التتويج يكرر بامتنان: "رائع.. أشكركم". كانت تلك اللحظة تتويجًا لمسيرة امتدت لعقود، أثرت السينما بأكثر من 80 فيلمًا، بين صامت وناطق، أكدت عبقريته الفنية.
في 25 ديسمبر 1977، أسدلت الستارة على حياة شارلي شابلن، الذي رحل عن عمر يناهز 88 عامًا في سويسرا. لكن إرثه الفني ظل خالدًا، يحمل في طياته الأمل، والبسمة، والقدرة على التحدي رغم قسوة الظروف. أفلام مثل: "كتفًا سلاح"، "المهاجر"، و"سطوة الذهب" ستظل شاهدة على عبقرية فنان كتب اسمه بحروف من نور في تاريخ السينما العالمية.