دريد لحام، اسمٌ ارتبط بالفن في العالم العربي، وأيقونة فنية اجتمع فيها السحر والكوميديا والدراما، فمنذ بداياته المتواضعة في شوارع سوريا، حتى أصبح أحد أبرز نجوم الشاشة العربية، لم يكن مجرد فنان، بل كان صوتًا للإنسان العربي وأحلامه وآماله.
ومن خلال شخصيته الشهيرة "غوار الطوشة"، نجح في المزج بين الفكاهة والواقع، ليُعبّر عن قضايا اجتماعية وسياسية بأسلوب يتنقل بين السخرية والحزن، مُرَكِّزًا على هموم المواطن البسيط وأحلامه في عالم مليء بالتحديات.
كما حمل رسالة السلام والأمل عبر أدوراه التي قدمها على الشاشة وخشبة المسرح، مكرّسًا فنه لخدمة قضايا الإنسانية من خلال مناصبه واهتماماته الاجتماعية.
وُلد دريد لحام، الذي يعد أحد أبرز الأسماء في تاريخ الفن العربي، عام 1934 في سوريا لأب سوري وأم لبنانية من بلدة مشغرة، ليترعرع في بيئة مليئة بالصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
عايش لحام في مرحلة مبكرة من حياته ضغوطات الفقر، واضطر للعمل في وظائف غريبة لكسب لقمة العيش، حيث كان يشتري الملابس المستعملة المخصصة للفقراء، وكان بالكاد يتمكن من تأمين ما يكفي من المال لإطعام نفسه.
وعندما التحق بجامعة دمشق، درس الكيمياء وتخرج منها عام 1958، ليحصل على إجازة في العلوم الكيميائية، كما حصل على شهادة دبلوم في التربية، وفي الوقت نفسه كان يشارك في أنشطة ثقافية، بما في ذلك الرقص الشعبي الشامي "الدبكة"، التي أظهرت اهتمامه المبكر بالفن.
ومع مرور الوقت، انخرط في عالم التمثيل ليبدأ مسيرته الفنية من خلال التلفزيون السوري.
في عام 1960، بدأ لحام مشواره الفني من خلال تقديم برنامج "سهرة دمشق"، الذي أُنْتِج في بداية انطلاق التلفزيون السوري. كان لحام في تلك الفترة يعكف على تقديم سلسلة من الحلقات التي تعكس بأسلوب ساخر هموم المواطن السوري والعربي.
وقد شكلت هذه التجربة نقطة انطلاق كبيرة له نحو التمثيل المسرحي والتلفزيوني، إذ برع في تجسيد العديد من الشخصيات التي تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي في العالم العربي.
في السبعينيات، حقق لحام شهرة واسعة من خلال شخصية "غوار الطوشة"، التي صارت رمزًا لمختلف طبقات المجتمع العربي، وتمثل هموم المواطن البسيط الذي يسعى لإيجاد حلول لمشاكله اليومية.
وكانت شخصية "غوار" التي اقتبسها لحام من أحد معارفه، تتميز بالذكاء والفكاهة، كما كانت تطرح قضايا سياسية واجتماعية تتعلق بالنظام العربي، ولقد نجح لحام في جعل هذه الشخصية أكثر من مجرد دور تمثيلي، بل رمزًا للمواطن العربي في مختلف بقاع العالم.
على مدار مسيرته، لم يقتصر دور دريد لحام على التمثيل فحسب، بل كان أيضًا كاتبًا ومخرجًا، إذ ألف وأخرج بعضًا من أعماله السينمائية والتلفزيونية التي حملت في طياتها رسائل اجتماعية وسياسية، وتعكس مآسي الإنسان العربي في ظل الظروف القاسية.
وكان لحام دائمًا يتبنى قضايا المواطن العربي، وينتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي يعيشها.
لم يقتصر تأثيره في الفن فقط، فقد اختير لحام سفيرًا للنوايا الحسنة لليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 1999، ليكون صوتًا للإنسانية وحقوق الأطفال.
وفي عام 2004، زار مناطق جنوب لبنان التي تحررت من الاحتلال الإسرائيلي، وألقى خطابًا في مؤتمر صحفي انتقد فيه السياسة الأمريكية والإسرائيلية، ما أسفر عن احتجاج تل أبيب على تصريحاته، ودفع منظمة اليونيسف إلى إعفائه من مهامه.
شغل دريد لحام العديد من المناصب الثقافية والإدارية الهامة، منها كونه أول مدير لمهرجان دمشق للفنون المسرحية في عام 1969، كما تولى إدارة مهرجان الأغنية مع السورية لعدة دورات.
وفي 1997، عين سفيرًا للنوايا الحسنة في سوريا، وكذلك شارك في مشاريع إنسانية في السودان خلال عام 2004، إذ دشن مشروعًا تطوعيًا لإزالة الألغام في جنوب السودان.
ونال لحام العديد من الأوسمة والجوائز؛ تقديرًا لمساهماته الكبيرة في الفن والمجتمع، منها:
بالإضافة إلى شهادات تقدير من عدة مؤسسات دولية، مثل شهادة تقدير من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 2010، ومن مهرجان روتردام للفيلم العربي.
كما حصل على درع هيئة قصور الثقافة بمصر عام 2006؛ تقديرًا لدوره في مساندة قضايا الأطفال عبر أفلامه السينمائية، وساهم في رفع الوعي العالمي حول قضايا الأمة العربية من خلال أعماله الفنية وأدواره الإنسانية.