من منا لا يعرف قصة السندباد؟ الشخصية الأسطورية للبحار البغدادي من حكاية "ألف ليلة وليلة". وفيها زار السندباد الكثير من الدول وخاض الأهوال والمغامرات، متغلبًا على التحديات التي واجهته، وفي كل مرة، كان يستعين ببساطه السحري، عونًا ومعينًا في رحلته الشيقة والشاقة.
اليوم الجمعة 25 أكتوبر/تشرين الأول، تحل ذكرى ميلاد "سندباد الأغنية العربية"، المطرب ماجد المهندس، الذي ولد في بغداد العام 1971، ومنها خرج على بساط صوته الساحر، محلقًا في فضاءات الدنيا، ومعانقًا بإحساسه، سماوات المدن التي شهدت على موهبته، فكان صوته وإحساسه وصدقه الفني عونًا ومعنيًا، في رحلته الشيقة والشاقة.
حول ماجد مسار حياته، من طالب في كلية الهندسة بجامعة بغداد، إلى مطرب وملحن يعتمد الإحساس عنوانًا له، فالصوت الموهوب الذي رفضته لجنة الاستماع الأولى، كونه لا يجيد العزف على الآلات الموسيقية، قرر تحدي نفسه وتعلم العزف على آلة العود، التي صارت رفيقة لياليه وسهراته، ودرس المقامات الموسيقية، ليتحول من موهوب فقط إلى أستاذ يعرف ماذا يقول ومتى يعلن عن ذاته، كما كانت مهنة الخياطة التي تعلمها على يدي والده الراحل، المعينة له في تسيير شؤون حياته، والتي سيكون لها دور لاحق في دعمه في رحلته إلى الأردن.
خطا ماجد أولى خطوات تحقيق حلمه الفني، من الأردن، حيث عمل على تقديم نفسه فنانًا من جهة، كما كان في ذات الوقت يعمل خياطًا، إذ يفتخر المهندس بهذه السيرة المهنية، الذي زادته إصرارًا على النجاح وإثبات نفسه مطربًا في مقدمة الصفوف الأولى فنيًا.
وفي عمان، نال المهندس أولى محطات الشهرة، بعد أن حازت أغنيته "ما نسينا" على جائزة "أفضل فيديو كليب"، في "مهرجان أوسكار الفيديو كليب في البحرين" العام 2000، وهو العام الذي شهد استقبال الجمهور العربي لأغانيه التي قدمها في السنوات الأولى، ومنها: "انت تجنن"، و"دقات قلبي"، و"مو بس أحبك"، و"سميتك حبيبي"، و"غنيلي".
بعد أن جرب حظه في الأردن، ولقي الدعم الفني والإنساني الذي يمكن أن يحصل عليه، غادر المهندس إلى بيروت ودبي وباريس، بحثًا عن آفق أوسع وأشمل للانطلاقة الفنية، كون هذه الدول تحتوي شركات إنتاج، ومنتجين فنيين، يمكن أن يقدموا لأصحاب المواهب الفرصة للحضور أمام الجمهور، وهو الأمر الذي كان يعوزه في الأردن.
ظل المهندس يجرب، ويطرح نفسه ملحنًا لأغنيات كتبها بنفسه أو لحنها لشعراء آخرين، ومطربًا يعتق صوته بالإحساس، حتى يصل إلى الجمهور، وكان كل ما ينقصه هو الفرصة، التي عاهد نفسه باستثمارها إن حانت، حتى اهتدى هو وصديقه القديم الشاعر فائق حسن، إلى المراهنة على مشروع فني مختلف، أراد المهندس من خلاله أن يقدم نفسه فيه، مطربًا مختلفًا يحمل فيه صوته ورومانسيته وإحاسسه إلى العالم، متخطيًا الصعوبات كما "السندباد" في قصة "ألف ليلة وليلة".
أعد المهندس نفسه جيدًا، جامعًا طموحه الفني وأحلامه وموهبته وإحساسه، وصاغها موسيقيًا ودوزنها على كلمات رفيق رحلته فائق حسن، الذي كان الشاعر والمخرج ومدير الأعمال، والنور الذي يهتدي فيه "السندباد"، فكان يوم السابع من فبراير/شباط 2005، هو اليوم الموعود لولادة ألبوم "واحشني موت"، الذي اكتسح الساحة الفنية بأغانيه المعجونة صدقًا واحساسًا، متفوقًا على جميع إصدارات الفنانين في تلك الفترة، إذ كان المهندس قد روج لصدور الألبوم بطرح الأغنية الرئيسية فيه "واحشني موت" وحدها، وهي التي جذبت مساحة جديدة وكبيرة من الجمهور، لصوته وإحساسه وإطلالته، كما ظلت أغنية "بين إيديا" لسنوات طويلة، نشيد العاشقين لرومانسيتها الطاغية.
ولم يركن المهندس للنجاح الذي تحقق، والذي كانت علاماته واضحة للعيان، من خلال حضوره في العديد من المهرجانات الفنية في منطقتي الخليج العربي وبلاد الشام، إذ ألحقه بالعام التالي بألبوم "انجنيت"، الذي أصدره في ذات يوم ميلاده من العام 2006، كهدية منه لعشاق صوته، وهو الألبوم، الذي قدم فيه إلى جانب اللون العراقي، أغنية مصرية وأغنيتان خليجيتان، بهدف الانفتاح أكثر على الجمهور العربي، وهو ما كرره في ألبومه اللاحق "إنسى" 2008، فكان له ما أراد، إذ صار للمهندس موطىء قدم كبيرة، في مهرجانات كبرى بقيمة: "جرش بالأردن"، و"قرطاج بتونس"، و"الدوحة الغنائي بقطر"، فضلًا عن حضوره الدائم في حفلات ومهرجانات دولة الإمارات.
ترامن انتشار اسم صورة وصوت وأغنيات ماجد المهندس بين الجمهور ووسائل الإعلام، مع الانفتاح الفني في المملكة العربية السعودية، تدريجيًا، فكان للمهندس نصيب التواجد مع قامات فنية ابداعية في المملكة، وكان الرهان عليه كبيرًا عندما تم اختياره لتلحين "أوبريت الجنادرية" العام 2009، الذي تم تقديمه بعنوان "وحدة وطن"، ولحن لوحاته التي تغنى بها إلى جانبه، نجوم الأغنية السعودية الكبار: محمد عبده، وراشد الماجد، وعبد المجيد عبدالله، وعباس ابراهيم، إضافة إلى صوتي فدوى المالكي ويارا.
ولاقى المهندس الحب والتقدير والترحيب الكبير من الجمهور السعودي، بالحب والعرفان، فكانت المرة الأولى التي يعهد لفنان غير سعودي بتلحين "أوبريت الجنادرية" الذي يعد أحد أكبر المهرجانات في المملكة، وتقـوم فكرته على الموروث الشعبي والتاريخي، والتعريف بالثقافة السعودية، وأصالة جميع مدن ومحافظات البلاد، والحياة التي عاشها الأجداد، والفلكلور الشعبي، والعادات والتقاليد، فكانت المكافأة، أن أنعم عليه، خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود "رحمه الله"، بمنحه الجنسية السعودية، تقديرًا له.
في أيلول من العام 2009، كان الجمهور يترقب ألبوم المهندس الجديد، "أذكريني"، الذي عبر المهندس من خلاله، كـ"السندباد"، مدن ومهرجانات العالم العربي، وصولًا إلى أوروبا، ملبيًا رغبات عشاق فنه، بأن يتواجد بينهم، فكانت جولاته الغنائية بين العواصم العربية والأوروبية لا تهدأ، فجال المهندس وصال على بساط صوته، ملتقيًا عشاق فنه، ومثبتًا أنه أصبح من سادة الساحة الفنية الكبار، وكل ذلك، قبل انتشار "السوشال ميديا"، ومنصات التواصل الاجتماعي، حين كان النجاح حقيقيًا.
يعرف القاصي والداني، بقية قصة نجاح "سندباد الأغنية العربية" ماجد المهندس، والتي واكبتها صفحات المعجبين على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنصات بث الأغاني، والمهرجانات الكبيرة التي تقام في السعودية والخليج والعالم العربي، وصولًا إلى أوروبا وأميركا، كما لا تتوقف أغاني المهندس، عن تحقيق نجاحات مليونية، جعلت منه رفيقًا دائمًا للعاشقين، وللمحبين، الذين ينتظرون، إطلالاته عليهم في حفلاته، كأمير ينقلهم إلى قصص الحب والرومانسية.