في عالم الموسيقى الذي يتسم بالتجدد المستمر، تبرز السوبرانو العالمية أميرة سليم كإحدى أبرز النجمات التي أسرت قلوب الجماهير بصوتها الفريد وأدائها المميز.
رغم أن كلمات أغانيها قد تكون غير مفهومة لبعض الحضور، فإن تأثيرها يكون دائمًا عميقًا، كأنها تثير في نفوسهم حنينًا إلى الماضي العظيم.
أميرة سليم، التي لم تتوقف أبدًا عن البحث عن كل ما هو جديد، تواصل استكشاف آفاق فنية جديدة دون أن تقتصر على نوع موسيقي واحد، وفي أحدث أعمالها، تبرز أغنية "بنحب المصرية" كدليل على تميزها. وفي هذا الحوار، نغوص في عالمها، ونستكشف شغفها المتجدد وتطلعاتها المستقبلية.
كيف تمكنتِ من "تمصير" أغنيتكِ الجديدة "بنحب المصرية"؟
تُعَدُّ هذه الأغنية تكريمًا للمرأة المصرية، لأننا في حاجة إلى مثل هذه الأفكار المبتكرة، وعلى الرغم من أن كلمات الأغنية كتبتها الشاعرة التونسية رفقة بن علي، فقد طلبت منها تحويلها إلى اللهجة العامية المصرية، لأنني شعرت أن كلمات الأغنية يجب أن تُعبر عن الروح المصرية.
أعتقد أن الجمهور سيتفاجأ بأنها أول أغنية باللهجة العامية من مغنية أوبرا مثلي، ما يحمل رسالتين: الأولى اجتماعية، حيث نُقدِّم تحية للمرأة المصرية.
والرسالة الأخرى فنية، حيث نثبت أن مغني الأوبرا قادر على التواصل مع جميع فئات المجتمع بموسيقى قريبة إلى قلوبهم، وليس حكرًا على نوع فني معين.
الغناء الأوبرالي يتميز بكونه جزءًا من عمل غنائي مسرحي مصحوب بأوركسترا كبيرة، ويشمل عناصر مثل الرواية والقصة والتأليف الموسيقي الكلاسيكي، وطريقة غناء خاصة.
يتطلب هذا النوع من الغناء سنوات طويلة من التدريب والتجربة على تقنيات وصعوبات متنوعة، ولهذا يُطلق عليه لقب "الغناء الأولمبي" بسبب تعقيداته وصعوبته.
في المقابل، الفنون الغنائية الأخرى مثل الغناء الشرقي والجاز والبوب ليست سهلة، لكن دراستها أسرع، ولها نطاق صوتي محدود يتقارب مع النبرة الطبيعية التي نستخدمها في الحديث.
في هذه الفنون، يخلق المطرب حالته الإبداعية بالتعاون مع فريق العمل، أما في الأوبرا، فإنها تتطلب استخدام جميع الطبقات الصوتية للمطرب، وتكون الأغنية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمؤلف الموسيقي، والحقبة الزمنية التي قُدمت فيها.
يُعدُّ فن الأوبرا نوعًا فنيًّا مقصورًا على نخبة معينة، بسبب ارتباطه بالثقافة والتعود عليه، ومع ذلك، أصبح فنانو الأوبرا أكثر انتشارًا بين الجمهور، ما أتاح للناس فرصة للتعرف إلى هذا النوع الفني.
خير مثال على ذلك أنشودة إيزيس التي قدمت في موكب المومياوات باستخدام آلات موسيقية مصرية وغربية، ونالت إعجاب الجمهور والشعب المصري.
أعتزّ كثيرًا بعرض أوبرا فرنسية بعنوان "لك مي" وأغنية "الجرس"، وشعرت بتحدٍّ كبير أثناء أدائها بسبب الزخارف الموسيقية والطبقات الصوتية الصعبة والمتنوعة التي تحتوي عليها، فضلًا عن ألحانها الرومانسية، وأشعر بأنني محظوظة بقدرتي على تقديم مثل هذا الأداء بمهارة.
أشعر بالفخر والاعتزاز لتمثيل بلدي في المناسبات الوطنية، حيث شاركتُ في عدة مؤتمرات دولية، منها COP27 والاحتفال بثورة يوليو في السفارة المصرية في باريس.
من المهم أن نعرّف العالم بأن مصر تظل دولة حضارية غنية بتنوع فنونها، وممتنة لأنني أتمكن من تقديم الفنون الأوبرالية بطريقتها الغربية الأصيلة، وفي الوقت نفسه، التعبير عن التراث الغنائي الشرقي لبلدي بأسلوب عالمي.
هذا الحلم بدأ قبل سنوات من موكب المومياوات، حيث قضيت وقتًا في دراسة هذه الفنون والتواصل مع علماء المصريات.
جاء موكب المومياوات ليحقق هذا الحلم، ولعشقي للغة المصرية القديمة، قدمتُ أغنية "مروت أك" الرومانسية، التي تعكس ارتباطي العميق بالحضارة المصرية القديمة.
تتمثل الصعوبات الرئيسية في الغناء باللغة المصرية القديمة في ضرورة الدراسة والتدقيق المفصل، لأن هذه اللغة لم تعد حية، ما يجعل فهم نبرات الصوت ومنطوق الكلمات أمرًا صعبًا للغاية، وأعمل حاليًا على تحضير عدد من الأغاني بهذه اللغة، وأتعاون مع خبراء ومختصين لضمان دقة الأداء.
وعن تعديل الكلمات في الأنشودة، فإنني أحرص على الحفاظ على أصالة النصوص قدر الإمكان، ولكن قد يكون من الضروري إجراء تعديلات طفيفة لضمان تماشيها مع الأداء الموسيقي والتعبير الفني.
أثبتت أنشودة إيزيس أن كلمات الأغاني المصرية القديمة يمكن أن تصل إلى الجمهور الحالي بفاعلية، ورغم أن الجمهور قد لا يكون على دراية بمعاني الكلمات، فإن المشاعر التي تحملها قادرة على الوصول إلى قلوبهم.
أعتقد أن هذه الأغاني تسهم في إعادة اكتشاف حضارتنا القديمة، وتجعلها ذات صلة بالجمهور المعاصر.
هناك مشروع فني جديد قيد التنفيذ، وأنشغل الآن بعقد جلسات عمل مكثفة تشمل البحث عن النصوص، والتدريب على نطق ومعاني الكلمات، وتنظيم الأبيات المناسبة للغناء، وبعد ذلك، تأتي مرحلة التلحين، حيث أعتبرها مسؤولية تاريخية لضمان دقة الأداء وملاءمته للتراث.
أحب لقب "فنانة" أكثر، لأنه يعكس تنوعي الفني واهتمامي بمجالات متعددة، وأستمتع بالغناء الأوبرالي والعامّي على حد سواء، ولدي شغف بالفنون التشكيلية أيضًا، ورؤيتي الفنية واسعة ولا تقتصر على نطاق ضيق، بل تشمل ألوان الفنون كافة.
من المهم معالجة تلك الأعمال وإعادة تقديمها بصورة جديدة، لأن ليس كل تطوير وتغيير يعني تشويه العمل الأصلي.
أعتقد أن إعادة توزيع الأغاني القديمة سيمكننا من استلهام عناصر تناسب ذوقنا الحالي، ما يثري الحياة الفنية، ويعزز الذوق الفني بنحو إيجابي.