في لقاء تلفزيوني نادر، كشف مصمم الأزياء العالمي إيلي صعب، النقاب عن ذكريات مؤلمة من طفولته خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي عصفت ببلاده.
وتحدث صعب، خلال استضافته في برنامج "زمن" على قناة LBC مع المذيعة راغدة شلهوب، عن معاناة عائلته من التهجير القسري من بلدتهم الدامور الشوفية، وما خلفه ذلك من آثار مادية ومعنوية عميقة.
واستذكر صعب، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك تسع سنوات، لحظة تعرض سيارة عائلته للقصف المدفعي في أثناء رحلة النزوح إلى منطقة آمنة. ووصف شعور الخوف والذعر الذي تملّك أفراد عائلته، وهم يواجهون فقدان ممتلكاتهم ومصادر رزقهم، كونهم مزارعين مرتبطين بأرضهم وتجارة الخشب.
وتأثرت عائلة صعب إلى حد بعيد بهذه الأحداث، خاصة بعد خسارة والده وتدهور صحته. دفع ذلك إيلي الشاب، بدافع المسؤولية، إلى التفكير في أي عمل يجني منه المال لمساعدة عائلته.
في هذا السياق، تحدث صعب عن نشأته في بيئة غنية بالتجارة، حيث ساعد عمه في السوبر ماركت منذ سن السابعة، مُتّأثرًا بوالده التاجر.
وفي سن مبكرة، أظهر حنينًا للإبداع، فكان فخورًا بثقة عمه به، حين عهد إليه بمسؤولية السوبر ماركت في غيابه.
في سن الحادية عشرة، لم يكتف صعب بمساعدة عمه، بل فكّر بمشروع خاص به. فاتفق مع صاحب محل أقمشة قريب من مدرسته على أخذ الأقمشة مقابل دفع ثمنها لاحقًا.
وبدأ صعب صناعة فساتين من هذه الأقمشة، وعرضها في محله الصغير. مؤكدًا أنه واجه صعوبة في بداية الأمر، فكان يتساءل عن أي امرأة ستثق به، وتطلب منه تصميم فستان لها. لكن إيمانه بموهبته وإبداعه جعله يثابر، فبدأ بعرض مجموعات من الفساتين لجذب الزبائن. سرعان ما نالت إعجاب الناس، وبدأ توظيف الموظفين والعمل ليل نهار.
واجه إيلي في البداية معارضة من والدته ووالده، اللذين لم يريا في تصميم الأزياء مستقبلًا واعدًا له. لكن إصراره وعزيمته جعلاه يتحدى توقعاتهم، مُثبتًا لهم أنّه قادر على تحقيق النجاح في هذا المجال. وقال لهما "أنتما لا تعرفان ما يمكنني فعله، وإلى أين سأصل".
وعن بداية علاقته بالمشاهير، أكد صعب أن نظرته إليهم تغيرت مع مرور الوقت، فبعد أن كان يعتقد أنّه لا يمكنه التفاهم معهم، أصبح يتعامل مع العديد منهم، ويُقدّر إنسانيتهم ومساعيهم الخيرية. من بين هؤلاء، تُعجب إيلي على نحو خاص النجمة أنجلينا جولي، ويُقدّر إنجازاتها الإنسانية.
ورأى المصمم، أنّ الوقت ينساب بسرعة، ولديه الكثير من الأفكار والمشاريع التي يتطلع إلى تحقيقها. وأنّ التصميم والتحضير هما أساس نجاحه، إلى جانب أهمية التجديد المستمر لجذب الأجيال الجديدة.
ويُبدي صعب قلقًا من الحفاظ على استمرارية نجاحه، خاصة مع ازدياد حجم مجموعته وتعدد مسؤولياتها. إلا أنّه يُؤكّد حرصه الشديد على ذلك، مشيرًا إلى دور ابنه إيلي، المدير الناجح للمجموعة، في مساعدته على ذلك.
وثمّن صعب دور والدته في حياته، وأقرّ بتضحياتها الكبيرة التي أسهمت في جعله ما هو عليه اليوم. كما أكد أنه يقدّر دور زوجته في حياته العائلية ودعمها له في جميع الأوقات معقبًا "بفضلها لدي "أحلى عيلة" ووقفت زوجتي بجانبي في جميع الأوقات والظروف كما حلت مكاني في تربية الأولاد، معربًا عن سعادته بكونه جدًّا للمرة الثانية، وحرصه على قضاء المزيد من الوقت مع حفيديه.
في سياق منفصل أكد صعب عمق علاقته بالمملكة الأردنية والأسرة المالكة، وبأنه يقدّر إنجازات الملكة رانيا للمرأة العربية وحضورها على الساحة الدولية. مشيرًا إلى أنه سعيد بتصميم فستان زفاف الأميرة رجوة الذي نال إعجابًا كبيرًا.
ولفت صعب إلى أنه مؤمن بأنّ كل مصمم لبناني له أسلوبه الخاص، ولا توجد منافسة بينهم، وأنه فخور بجميع المصممين اللبنانيين، وأنّ بيروت تستحق أن تكون عاصمة الأناقة بفضل جهودهم.
وأكد صعب أهمية إعطاء المصمم حرية التعبير عن إبداعه وتصميم ما يراه مناسبًا للمرأة. وعن سؤاله ما إذا كان هو الأول بين المصممين قال "لا أعرف إن كنت كذلك قد أكون الأول بالنسبة لمن يحبونني أمّا أنا فلا أحب تصنيف نفسي".
وتابع صعب أن انفجار مرفأ بيروت مأساةٌ أبشع من الحرب، وطالب بمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة للضحايا قائلًا "من حق كل من فقد ابنًا أو شريكًا أن يعرف لماذا قتل، وهذا ما يشعرني بالاشمئزاز واستصغار النفس".
واعتبر صعب أن الإنترنت أفضل وأسوأ اختراع في الوقت ذاته. فمن ناحية، يرى أنّ الإنترنت يفتح آفاقًا واسعة، ويُتيح الوصول إلى المعلومات من جميع أنحاء العالم، ومن ناحية أخرى، يُحذّر من مخاطر استخدامه في أعمال الغش والسلوكيات السلبية.
وأكد صعب أنّ مصدر قوته هو تفكيره الإيجابي وعدم ترك الأمور السلبية تؤثر فيه، واختتم حديثه بأنه يُفضّل زيارة الأماكن الجميلة في لبنان معقبًا "لا أخطط للقيام برحلة إلى القمر، فقبل ذلك أفكر بزيارة الأماكن الحلوة بلبنان التي لم أرها والعالم".