ترك الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن بصمة شعرية وأديبة حافلة دونها على مدار 50 عامًا تقريبًا، ستبقى حاضرة في قلوب النجوم والجماهير.
ورحل الأمير الشاعر السبت الرابع من مايو/أيار؛ إثر وعكة صحية في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس، عن عمر 75 عامًا.
ولد الأمير بدر بن عبد المحسن في الثاني من أبريل/نيسان 1949، كانت طفولته صعبة وفق تصريحات تلفزيونية سابقة له، فما إن بدأ حياته، حتى صُدم بوفاة جده الملك الراحل عبد العزيز آل سعود، وكان وقتها في الرابعة من عمره.
وأضاف البدر أنه وأقرانه من الأطفال كانوا أحيانًا يأكلون الـ"الجص"، كما كان وإخوته يتشاركون النوم على السطح في الأيام الصيفية الحارة، رغم ما كانوا يعانوه من سوء الجو في الصباح وهجوم البعوض.
ترك وطنه في عمر التاسعة، ليغترب في بلاد جديدة، بقصد استكمال رحلته التعليمية.
وقال عن هذه الخطوة الصعبة: ما رغبنا أنا وأخي في ترك المملكة، أو بيوتنا التي تربينا فيها وصنعنا بها ذكريات طفولتنا، لذا تجد الصورة التي التقطناها قبل السفر لا تظهر سعادتنا، ورغم ذلك انتقلنا إلى مصر لنتعلم.
وتابع: كانت سنتنا الأولى صعبة وكنت وقتها لا أزل طفلًا صغيرًا، ومع ذلك تعودنا على الغربة وصارت أمرًا عاديًا لنا، حتى أتممنا رحلتنا التعليمية وتغيرت الأحوال.
انتقل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن من السعودية إلى مصر؛ إذ قضى بها دراسته الإعدادية، ثم عاد إلى المملكة، ومنها لبريطانيا وأمريكا.
صقل موهبته بعد أن التقى العديد من الرواد والأدباء والمفكرين والفنانين، مثل الشاعر أحمد رامي ومحمد عبد الوهاب ومحمد الموجي وعبد الحليم حافظ وغيرهم، وكان محفزًا لإعلانه عن موهبته الشعرية.
أصبح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن فيما بعد من أبرز الشعراء في الجزيرة العربية، وساعد على انتشار قصائده تقديمها في أغنيات لحنها أبرز ملحني الخليج من أمثال طلال مداح وعبد الرب إدريس وسامي إحسان.
لُقب الشاعر بـ"مهندس الكلمة"، وأيقونة الشعر السعودي، والفنان والفيلسوف الذي لا يكل ولا يمل من إبهار جمهوره المتعطش له دائمًا، ليبقى البدر مضيئًا منذ نحو نصف قرن.
تزامل مع عدد من الشعراء السعوديين، منهم محمد العبد الله الفيصل، وعبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود، ومحمد بن أحمد السديري، وغيرهم.
كتب نصوصًا أدبية تجمع بين الغزل والرثاء والواقع الاجتماعي في المملكة، وله مجموعة من الدواوين الشعرية أبرزها: "ما ينقش العصفور في تمرة العذق": صدر عام (1989)، و"رسالة من بدوي" (1990)، و"لوحة ربما قصيدة" (1996)، و"ومض" ( 2010).
كانت أولى أمسياته في نادي الاتحاد السعودي بجدة، تلاها أمسيات كثيرة في الإمارات والبحرين والرياض وفي نادي الأهلي بجدة.
أشرف على الكثير من الأعمال الوطنية في كتابة النصوص آخرها مهرجان الجنادرية، وأقام أمسية شعرية في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي "إثراء" بتاريخ 20 مارس/آذار 2023، كما افتتح معرضه الفني الأول في السعودية بعنوان "روائع البدر".
أدى قصائده العديد من المطربين والمطربات في الوطن العربي، أبرزهم طلال مداح مثل "ما أطولك ليل" و"الهوى لو تمنى" و"عطني المحبة"، وكذلك الفنان محمد عبده "صوتك يناديني" و"الرسايل" و"ردي سلامي" و"لا تجرحيني" و"أنا حبيبي" و"رسالة إلى من يهمها أمري" و"عطني في هواك الصبر" و"ما بقى لي قلب".
وغنى الفنان عبادي الجوهر من أشعاره "كأنك حبيبي" و"كلهم راحوا" و"المرايا" و"كفاك غرور" و"ليلهم طال"، ومع الفنان عبد المجيد عبد الله "تخيل" و"موت وميلاد".
وأدت نوال الكويتية قصائده "لا تجي الليلة" و"أنت ولا الموت"، وغنى له المطرب عبد الله الرويشد "وحدك لي" و"نسيت الزمن" و"أنتي حلم"، وخالد عبد الرحمن "عقد وسوار" و"ليل التجافي" و"عود الليل"، أما راشد الماجد، فغنى له "المسافر" و"الحل الصعب".
وغنى له المطرب كاظم الساهر "البتول" و"ناي" و"صور" و"الجريدة" و"ممكن توصلني"، وصابر الرباعي "لا أنت حارس للنجوم"، كما تعاونت معه أيضا المطربة نجاة الصغيرة التي غنت من أشعاره أغنيتها "موال الشوق"، أما أصالة فغنت من أشعاره "أعلق الدنيا" و"أوقات" و"وش كنت أقول"، وماجد المهندس "جفن الليل".
وقدم الشاعر بدر بن عبدالمحسن أيضا عددا من الأوبريتات الوطنية، منها أوبريت "فوق هام السحب" و"سيوف العز" و"حدثينا يا روابي نجد" و"الله أحد" وقدمها المطرب محمد عبده، و"عز الوطن" و"صرخة" لطلال مداح، وقدم أوبريتات الجنادرية مثل "وقفة حق" و"فارس التوحيد" و"وطن الشموس" و"مملكة الحب والسلام".
له تجربة في كتابة السيناريو والتأليف الدرامي من خلال مسلسل "توق" الذي صدر عام 2011.
كرمه الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود عام 2019 بمنحه وشاح الملك عبد العزيز.
كرمته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 2019، تزامنًا مع مناسبة اليوم العالمي للشعر، وذلك نظير إسهاماته الشعرية الفنية الثقافية المتفردة، التي امتدت لأكثر من 40 عامًا.
كرمته الهيئة العامة للترفيه عام 2019 في ليلة كان عنوانها (ليلة الأمير بدر بن عبد المحسن: نصف قرن والبدر مكتمل). وقد أعلن رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه تركي بن عبد المحسن آل الشيخ تسمية المسرح المبني خصيصًا لهذه المناسبة بمسرح الأمير بدر بن عبد المحسن.
وفي مارس 2021 أعلنت هيئة الأدب والنشر والترجمة عزمها على جمع وطباعة الأعمال الكاملة الأدبية الكاملة للأمير بدر بن عبد المحسن تنفيذًا لتوجيه وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وذلك تقديرًا لإسهاماته في الحراك الإبداعي السعودي خلال خمسة عقود من الزمن.
في مارس 2023 كُرم في ختام مهرجان القرين الثقافي في دولة الكويت في دورته الـ28 باختياره شخصية المهرجان.
صدرت أعماله الشعرية الكاملة تزامنا مع معرض الرياض الدولي للكتاب عام 2022، وهي "هام السحب، شهد الحروف، ما ينقش العصفور في تمرة العذق، لوحة ربما قصيدة، رسالة من بدوي".
أشرف على أعماله مؤسسة بدر بن عبد المحسن الحضارية، وبمبادرة من وزارة الثقافة، ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة، وتنفيذ شركة "المحترف السعودي"، التي تسهم بإشراف الهيئة، على ترجمة هذه الأعمال الشعرية إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، من خلال لجان متخصصة، لنقل تجربة الأمير بدر بن عبد المحسن الشعرية إلى العالمية.
"الموهبة والإصرار مع الصبر أساس نجاح أي شخص، كالصاروخ الذي يحتاج جهدًا في بداية انطلاقه ثم يسبح في الفضاء محلقًا بسلاسة وسهولة".